البحث التاريخي ينغص هالة الانبهار، ويغض من تهويل التعظيم..
على سبيل المثال رأيت من يفخم من اقتباس للمسيري فيه أن قلب الغرب مرتبط بالمال، مع أن هذا الاقتباس لا يصلح أن ينسب إلى المسيري أصلًا فصاحبه معلوم مشتهر وهو كارل ماركس في رأس المال.
كثيرة هي الكلمات التي تنسب إلى شخصيات [إسلامية] وليسوا أصحابها، ولو نسبها أحد إليهم بين عارفين بأصحابها لتندروا به، على سبيل المثال: قبل فترة رأيت منشورًا عن مصطفى محمود فيه: لا نطالب بتحسين شروط العبودية بل إلغاؤها وهو حرفيًا لماركس، وهذا كثير.
مؤخرًا شاهدتُ مقطعًا لمحمد أبو موسى، ورأيت من يطير بهذا المقطع إلى الغاية القصوى، وفيه يقول: إنه ليس من أهل العلم بل من أهل محبة العلم، وأنه لا يزعم العلم، وأنا أستمع لهذا المقطع كنت أنتظر فقرة شرب السم! فتلك الكلمات كلها لسقراط.
وكما هو معلوم فإن الفلسفة معناها محبة الحكمة لا ادعاء الحكمة، فجرت الترجمة هنا إلى محبة العلم! وسقراط هو صاحب القول الشهير: أدري أنني لا أكاد أدري.
وهذا صحيح فسقراط لم ينتصب للتدريس أصلًا بل كان متسائلًا، فمن ينتصب للتدريس يزعم الدراية، وإلا لأي شيء جلس على كرسيّ المعلّم، لمحبة العلم؟ فالمكتبات موضعه إذن! لذا لم يزعم هذا أفلاطون ولا أرسطو من بعده، فالمدرّس يدعي المعرفة لا عدمها بخلاف المتسائل السقراطي.
كيفما كان هذا يريك عقلية سائدة بين أقوام حين يرفضون شيئًا يقبلونه متى ما جرى على لسان معظَّم عندهم، وبنحو هذا كان الأمر في التاريخ فتجد نسبة كل مستحسن لإمام، كعلي بن أبي طالب، وتكون تلك الكلمات المنسوبة لصوفي، أو فيلسوف، أو بليغ.