لا يوجد فلسفة إسلامية بل علم كلام إسلامي!

لا أعرف من ذا الذي أقنع جمعًا غفيرًا من المعاصرين بهذه المقولة السخيفة! ولا يعني لي كثيرًا أن أعرفه، لكنها كلمة غبية! لماذا يقال هذا؟ يقولون: لأن الفلسفة بحث عقلي حر!

هل أنتم جادّون بمثل هذا التفريق؟ هل أنتم مقتنعون أنه يوجد فيلسوف واحد تجرد عن جميع آماله ورغباته ومخاوفه وقناعاته، وقال حسنًا سنبدأ الحديث بعد قطع علاقتنا بكل هذا يا رفاق؟ وقتها ماذا سيكون؟ لربما إلهًا على تصوركم؟ إلهًا من النوع الجامد المفارق الذي لا يشار إليه قابع في عالم المثل الغريبة.

بحق قال مثل هذا أفلاطون، وجعل الفلسفة التشبه بالإله على قدر الطاقة، لكن الفلسفة لا تلتفت كثيرًا إلى الشعارات المعلنة، لقد بقي أفلاطون بشريًا، ولم يخرج عن حيز إطار عصره، عن المعتقدات الإغريقية، لقد كانت فكرته عن عالم المثل مجرد غلاف للقناعات الأقدم، عن أعداد فيثاغوروس، عن عالم الأولمب الإغريقي، لقد كان همه تحطيم مقولات السوفسطائيين، بجعل الحقيقة ثابتة لا تتغير وإن ضحى في سبيل ذلك بجميع العالم المشهود!

قد نتفهم كلماتكم لو كانت قبل الماركسية، لكن ألم تفضح الماركسية تلك الرغبات والمصالح في أشهر المقالات الفلسفية؟ دعكم منها فهي بومة الشؤم بنظركم، ماذا عن باركلي، ألم يكن قسًا وأراد تحطيم المادية لمجرد الانتصار لمعتقد الكنيسة، ديكارت نفسه ألم يهد كتابه التأملات إلى الكنيسة مدافعًا عن معتقداتها، كانط نفسه ألم يقل كان علي أن أفسح مجالًا للإيمان؟ نيتشه ألم يكن قاصدًا تحطيم السلطة الكنسية بكل ما أوتي من قوة، فوكو ألم يحرص على تحطيم العقل الكوني بعد انهيار قناعته بالماركسية؟ ما هذه الفروق الغريبة التي يجري الحديث عنها، لا يوجد فلسفة دينية مجرد علم كلام!

علم الكلام يختلف عن الفلسفة بشق أساسي عبر عنه ابن رشد حين قال عن أصحابه: أهل جدل، ماذا يعني بهذا، يعني أنهم دخلوا البحث النظري وكأنه صالة ملاكمة، لا يهم التنسيق بين الحركة الأولى والأخيرة، المهم أن يخرج خصمك مليئًا بالكدمات، حتى لا يقترب ثانية!

ستقول إن كنت معتزليًا الله خالق العالم كله إلا أفعال العباد! كيف؟! لقد كانوا في الحلبة السابقة على نقاش الملحدين يناقشون خصومهم في القدر، فقالوا مقالة ثم جاءوا لضرب الملحدين وتحويلهم إلى كيس ملاكمة، وكأنهم نسوا ما سبق أن قالوه، كيف تقيم نسقًا كاملًا متى استثنيت أفعال العباد هنا يعمل علم الكلام: أنتم قلتم مثلنا بموضع، لا تلزمونا بهذا سنهزمكم بغيره وهكذا أهل جدل.

الأشعرية ستقول: الله يُرى نكاية بالمعتزلة لكنه بغير كيف بلا جهة بلا اتصال ولا انفصال نكاية بأهل الحديث، هكذا كانوا يتعاملون الفيلسوف سيقول لهم: هونوا عليكم أريد اتساقًا، علاقات بين المقالات، نسق جامع لا كأننا ننتقل من صالة ملاكمة إلى أخرى، لا يعني لي مصدر قناعاتكم، بل المنهج الذي تنتصرون به لتلك القناعات، عليه أن يكون متسلسلًا بطريقة عقلية متسقًا لا مثل الأحياء العشوائية، هذا هو الفرق بين الفلسفة وعلم الكلام.

مودتي