موجة ما بعد الثورة

بعد نجاح أي ثورة تتحول دعايتها الأولى إلى دعاية ضدها من مجموعات ثورية لم تأخذ نصيبها من المكاسب السياسية، أو من عقائديين جامدين يرون أن الثورة خانت تلك المبادئ، التي يجعلونها عقائد حتمية لا مجرد مطالب سياسية.

تكون موجتهم أقل من موجة الثورة الأولى، ويمكنهم تنغيص صورة الثورة بمصادمتها، وهي تقمعهم، وحينها يؤكدون على الدعاية القائلة: الثورة تأكل أبناءها، ويكون التضييق وقمع الحريات من السلطة شاملًا لقطاعات أخرى، يحاولون اجتذابهم إلى صفهم، أو يتعاملون بمهادنة السلطة القائمة للإفساح لهم مرة أخرى بمكسب يليق بتضحياتهم السابقة، أو يواصلون النضال ضد السلطة القائمة.

ليست المراهنة على الخسارة حكرًا على السلطة بالسماح للمعارضين بالدخول في اللعبة السياسية، عن طريق إعطائهم شرعية لوجودهم وبالتالي لدعايتهم، فقد تكون الخسارة حليفة للمعارضة حيث إنها قد تفقد بريقها تمامًا عبر الممارسة السياسية وسلسلة التسويات مع السلطة القائمة، وبالتالي يطرد منها العقائديون الجامدون الذين يرون أن السلوك السياسي للمعارضة، هو سلوك السلطة نفسه، وما عابته المعارضة قديمًا على السلطة تقع فيه، وتجد لتسويغه الحجج نفسها.

العقائديون المنفيون هم أقلية، ولذا يحاولون جذب اليائسين من الحل من المعارضة، وإن كان اليائسون غير عقائديين، ويجري بث فكرة الحل الجذري بينهم، ويتبعه تبنيهم غالبا لخطين:

١- تغيير السلطة بالقوة، لإحلال سلطتهم الملتزمة بحذافير المطالب الأولى، وهذا أغلبي.

٢-اعتبار السلطة نفسها شر، [اللا سلطوية] وبالتالي يغلب على هؤلاء الأعمال الفردية التي تصنف على أنها ضعيفة التأثير، أو يتركون العمل السياسي لصالح أعمال اجتماعية تعطيهم ترضية لمجتمعهم المطلوب، أو الاكتفاء بالدعاية العقدية للمجتمع بتنفيرهم عن السلطة دون أي بديل، مع الإبقاء على عاطفتهم تجاه الخط الأول ويتعاظم هذا الخط كلما فشل الخط الأول.

كلما طالت الأزمة تبرز مشاكل في خط العقائديين وقد اجتذبوا اليائسين، حيث تغلب على العقديين فكرة العسكرة لصالح الاستهانة بالعمل التنظيري والسياسي، وإلى جانب ذلك فإن الذين انضموا إليهم [اليائسون] هم منظرون وسياسيون في الأصل يراعون فكرة الفشل في خطهم، وبالتالي فهم قد يسحبون إيديهم من أيدي العقديين متى رأوهم مندفعين إلى العسكرة دون فائدة، أو تضخم فكرة العسكرة إلى الحد الذي يلغي دورهم الفعال.

السلطة القائمة تدفع لإقصاء السياسيين من صفوف خصومها، فالتعامل مع عنف لا مطالب له، خير من التعامل مع مطالب، وقد تعيد اليائسين إلى صف الموالاة، متى فشل خطهم، حيث إن انحيازهم إلى العقديين له تكلفة، فغالبًا لا يسمح بعودة المهزومين إلا في الموالاة، أو السكوت المطبق المانع من العمل السياسي.

مودتي