حول مبادرة في الخلاف السلفي الأشعري…

وصلتني مبادرة في الأخ الكريم علاء حسن إسماعيل، وهي مبادرة أعلن عنها على العام، فأحببت أن أطرح رأيي في الموضوع على العام، لأشارك من قرأها وجهة نظري:

1-بالنسبة للخلافات بين الأشعرية والسلفية، أو غيرهم يتبعها دخول لغير المتخصصين، وهذا شيء متوقع، فكل توجه عقائدي معني بطرح وجهة نظره على الناس، وتبسيطها، ليس الأمر سرًا ولا غريبًا، كل فئة تجهد لنشر معتقدها بين الناس، من كتب، ومنشورات ودعوة ودعاية وغير ذلك، والكتب تباع لكل أحد، لا يُطالب المشتري بإبراز بطاقة تحدد مستواه العلمي، والعامي يترقى في معرفته لتوجه عقدي معين، وقد يصبح متخصصًا فيه، لا أحد ولد متخصصًا، ولا يوجد سلطة تقدر على ضبط كل الأفراد فهذه توجهات عقدية، غير مؤطرة ولا منظمة، ويرجع الأمر إلى تقدير الكتاب أنفسهم.

2-الخلاف السلفي الأشعري والنقد المتبادل قديم جدًا متداول عبر العصور، ولا إمكانية لاستثمار خلاف بهذه السعة، في قضية جزئية حصلت مثلًا في بلد بين شخصين، يمكنهما التصالح المباشر، في حال حصلت بينهما خصومة، أو دعوتهما للصلح بشكل أقرب، وأكثر واقعية من محاولة جمع أطراف الخلاف العقدي بمجمله الضارب في التاريخ، وتقديمه بمبادرة عامة، أو ما قد يفهم منه كأنه يصوّر إبراز الخلاف إنما كان بين عسكرين تابعين لحدث خصومة بين اثنين، وهو غير صحيح.

3-تحرير الخلافات العقدية مجاله البحوث الجادة، فهي تتبع الأدلة لا تتبع أشخاص الباحثين، والباحثون لا يوجد لهم سلطة رقابة على غيرهم، فهذا ليس عملهم، ولا يوجد تجمع على هيئة كيان سياسي للتوجهات العقدية، وبالتالي فقد ينقد الشخص المنتسب إلى السلفية ممن يُصنف بهذا، وكذلك في الجانب الأشعري، فالموضوع ليس حزبيًا، لا أحد ينسق مع غيره حين يرد أو يدعو إلى مناظرة أو حوار، أو تأليف، فضلًا أن بعض المنتسبين إلى السلفية لا يسلمون بالسلفية لغيرهم، وكثيرون ممن يتصدرون تحت اسم [متخصصين] لا يمثلون التوجهات العقدية التي ينتسبون إليها، وبالتالي يجري نقدهم من غيرهم، فأكرر يجب عدم الخلط بين التوجهات العقدية وبين تحميلها مضامين سياسية؛ كأن هناك جماعة كاملة تسائل أعضاءها، وتعاقبهم متى لم يلتزموا أو تسحب شرعيتها عنهم، هذا كله غير موجود في هذه الحالة.

4-بالنسبة للدعوة إلى عدم الظلم فهذه دعوى عامة أخلاقية مع جميع المسلمين، بل وتشمل حتى غير المسلمين، فالعدل واجب مع كل أحد في كل حين، والظلم محرم مع كل أحد في كل حين، والتذكير في هذا لا مشكلة فيه، ولكنه يبقى في إطار التذكير لا أكثر من ذلك، في حالات التأليف، والنشر، والصفحات الشخصية كما هو الحال في هذا الموضوع.

5-لا يوجد جهة رسمية معينة تخاطبها في هذا الموضوع، وبالتالي لا يمكن الحديث أنه يجب أن يحصر النقاش بين المتخصصين، فهذا الخطاب يكون موجهًا إلى جهات رسمية معينة، يجب أن نتذكر لسنا سوى باحثين وعلى سبيل المثال: جاء في منشور الأخ:

“وجدت الشيخ سيف العصري يقول في كتابه (القول التمام) ما معناه أنه ليس لديه ثمة مشكلة مع من يثبت علو الذات على الحقيقة (!) إذا نفى عن الله الأوهام الباطلة” وعلق: “هذا تطور ممتاز ومشكور في مذهب الأشعرية”.

فيقال: هب العصري صار سلفيًا أو معتزليًا، لا يكون في هذا تطور في المذهب الأشعري، بل يكون فيه موقف العصري ومن وافقه لا أكثر، على أن عبارته كانت:

“الذي ننكره إنما هو العلو الجهوي الحسي فقط … ومن أثبت علو الذات، ونفى جميع اللوازم الباطلة من التحيز والحد والحلول والجهة لم يثرب عليه”، فهو في إطار نفي العلو الحسي، وبالتالي، يظل في إطار منع الإشارة إليه، مع علو المكانة، وهو الخلاف نفسه.

6-بالنسبة لكلام ابن تيمية المنقول في التقريب فهو من [محنة الواسطية]، فهذا في سياق تحقيق محاكم التفتيش في ذلك الزمان والتي كانت ستودي بحياته، وفي هذه المواضيع، تعتمد المنهجية البحثية الصارمة ما قيل بعيدًا عن (الإكراه، أو شبهة الإكراه) ففيها غنية.

7-لا يفترض اعتبار المخالفين أو غير المشاركين في مثل هذه المبادرة أنهم في إطار [المتعصبين]، بل الافتراض الأكبر أنهم في إطار [الواقعيين] حيث إن تلك المبادرات تأتي في إطار أجنبي عنهم، فالباحثون ليس لهم سلطة على غيرهم، وبطبيعة الحال يرفضون الإكراه الأدبي عليهم، الذي يحدد لهم ما يكتبون ومتى يكتبون، فهم ليسوا تابعين لكيان منظم، وهذه المباحث تطرق في صفحات [شخصية]، فلا يمكن تأطيرها بأي إطار أو كيان معين، فإن قيل: لا يوجد مثل هذا الإكراه، يقال: لا يوجد إذن مبادرات متى كانت تفقد تلك السلطة.

مع تمنياتي للجميع بالتوفيق إلى الخير.