حيل لفظية، في صراع سلطوي..

هناك من يتحدث دومًا عن خطورة العلمانيين، وأول فرصة يقول أشد من كلام خصومه [حسب ما يُعلن] في أكثر المواضيع أهمية من ناحية دينية.

فتجده يقول لك: يجب الوقوف عند النصوص في الأسماء والصفات الإلهية فقط لا غير، دون زيادة أبدًا، بطبيعة الحال لا ينسى أن يقول: وهو منزه عن الزمان والمكان والأعضاء والتحيز والانقسام وكأن النصوص جاءت بمثل هذا النفي!

إنها حيلة لفظية تذكر بسلوك العلماني القائل: الدين وحي إلهي، مشكلتنا مع التفسيرات الزائدة على الوحي، مع أصول الفقه، مع قواعد اللغة، مع أحكام الفقه، أما النصوص نفسها فلو رددها إنسان وقال أؤمن بما فيها دون أن يزيد على ذلك شيئًا فلا مشكلة معه أصلًا.

لا مشكلة مع القول: “أقيموا الصلاة” فهي بعض آية، لكن هناك مشكلة مع القول: بأن “أقيموا” فعل أمر، والأمر يفيد الوجوب، وإقامة الصلاة المعينة بلام العهد، واجبة! فهذا كله بنظره زيادة على النص! أو لا مشكلة مع هذا في الصلاة، لكن في غير ذلك مما يمس السياسة العامة، وهكذا.

من قال إن الحديث بغير ألفاظ النص ممنوع؟ ما هذه الحيلة الجوفاء؟ فالنصوص متى جعلت لتردد فحسب كانت للتبرك، لا معنى تحتها، على أنها ما قيلت إلا لمعانيها، وما تكررت إلا لتأكيد تلك المعاني، والناس لهم أن يقولوا بأي لغة أرادوا، في أي موضوع شاءوا ما لم يناقضوا معاني تلك النصوص.

أما أن تتحذلق في مسائل الصفات وكأنها من كتاب غير الذي تثبت منه معانيه في مسائل الفقه والتشريع، ثم تعطله في العقائد بحجة عدم الزيادة على النص، فهذا كأنك تمنع أي تفسير مترجم لها، هذا يعني أنك تخوض معركة سلطوية دون أن تحدد الأساس الذي تنطلق منه، هذا يعني انتهازية فأنت لست ضد مبدأ تفويض المعاني لكنك تعارضه فحسب في شق صغير يسمح لك بحشد الأتباع، وخطف الأنظار، أما غير ذلك فلا مشكلة عندك أن تكرر كلام من ترد عليهم في أهم من مواضيعك التي تفتعل فيها الصراع، لو كان مبدأ عدم الزيادة على النص بحرفية حقًا لم يكن لك أن تكتب منشورًا، بل أن تصوّر صفحة من القرآن فحسب!