عن كتاب الإسلام وعلمانية الدولة، لعبد الله أحمد النعيم

يفتتح المؤلف كتابه بقوله:

“إنني أدعو إلى علمانية الدولة من أجل تمكين التدين الصادق في المجتمع وليس علمانية الإنسان والمجتمع، فالأطروحة التي أقدمها في هذا الكتاب تتعلق ببطلان مفهوم الدولة الدينية ولزوم الدولة العلمانية من منظور إسلامي” [١]

وذلك عبر استناده إلى أن “عمل الدولة بالضرورة عمل بشري لا يجوز أن نسبغ عليه قداسة الدين” [٣]، ولكنه يغفل عن كون العمل البشري ليس بالضرورة مدنسًا كذلك، إن الأحكام الشرعية لا يلزم منها صبغ الفعل بالقداسة، بل الحكم على الفعل ما بين واجب إلى محرم، ما بين حق وباطل، فمن التزم بها قدّسه عمله وإلا قد تحكم بدنس الفعل، “والرجز فاهجر”.

وحتى يدلل على قوله: “إن فكرة الدولة الإسلامية هي باطلة من مرجعية المنظور الإسلامي” [٤]، يقول: “أي فهم أو معرفة للشريعة الإسلامية غير ممكن للبشر إلا في إطار قصور التفسيرات الإنسانية للقرآن والسنة” [٥]، وهذا يمنعه من الحديث عن الإسلام بما أن معرفة الشريعة متعذرة بنفسها بزعمه، وكما أنه رفض صبغة الأفعال البشرية بالقداسة فكذلك التفسيرات، وهذا مفاده أن الدين لا يمكن فهمه أبدًا، ومفاده منعه من الحديث من منظور ديني حتى لا يصبغ تفسيره بالقداسة كما حذّر هو أول الأمر.

هذا الكلام له جذور فلسفية بعيدة في اللا أدرية والمثالية، والرجل يلتزم تلك اللوازم، من إثبات عالم لا يشبه أدنى شبه عالمنا، يعتبره عالم الدين، هذه الفكرة مفصلية ومتى سقطت تهافت باقي ادعاءاته.

هذه النظرة، ينساق معها ليقول: “ما يسمى بأحكام أصول الفقه وهي اجتهادات البشر وليس الوحي الإلهي المجرد” [٦] وهنا يكرر كلامه عن الاجتهادات، كأنه يفترض الخطأ في الفكر البشري لمجرد كونه بشريًا، بديهيات الرياضيات مجرد اجتهادات لأنها ليست إلهية، وهكذا.

على أن المعرفة البشرية يمكن أن تكون صحيحة، وقطعية، ومطابقة، دون أن تكون وحيًا، فضلًا عن عدم معرفة أهمية الوحي في تصوّره ما دام لا يمكن للبشر فهمه، بحيث يصبح افتراضًا زائدًا لا موقع له في المعرفة.

وبالنسبة لقوله: “أحكام أصول الفقه” فأصول الفقه هي أدلة يُتوصل عن طريقها إلى أحكام فقهية، لكنه قد يقصد قواعد مثل: الأمر يفيد الوجوب، ما لم تأت قرينة صارفة، وهي قواعد مستفادة بداية من اللغة، ثم استقراء الفهم الأول الذي جرى الإقرار عليه، من المبلغ للشريعة، كيفما كان فالشريعة نزلت بما يوافق لغة البشر (بلسان عربي مبين) أما ذلك الافتراض بأن هناك لغة بشرية، وأخرى مختلفة في الشريعة لا أحد يعرفها، فهو أساس هش بنى عليه الكاتب أطروحته.


[١] الإسلام وعلمانية الدولة، عبد الله أحمد النعيم، دار ميريت، القاهرة، الطبعة الأولى: ٢٠١٠، ص١٩. [٢] الإسلام وعلمانية الدولة، عبد الله أحمد النعيم، ص٢١. [٣] الإسلام وعلمانية الدولة، عبد الله أحمد النعيم، ص٣٠. [٤] الإسلام وعلمانية الدولة، عبد الله أحمد النعيم، ص٣٣. [٥] الإسلام وعلمانية الدولة، عبد الله أحمد النعيم، ص٣٨. [٦] الإسلام وعلمانية الدولة، عبد الله أحمد النعيم، ص٤١.