الأشعرية أغلب علماء الأمة!
لا تزال تلك الدعاية القديمة تعاد كل حين أن أغلب علماء الأمة أشعرية، أن شرّاح البخاري أشعرية، أن الأسانيد في الفقه لا تخلو من أشعري ونحو ذلك. من يقول هذا كأنه لا يتصور ما هو مذهب الأشعري أو لا يصوّره كما هو، هل هو مذهب فقهي؟ لا إذن وجود هذه النسبة في الفقه شيء زائد، هل هو مذهب في التصوف والوعظ؟ لا فهو زائد كذلك، هل هو مذهب في العربية؟ لا كذلك، ما هو تحديدًا؟
هو مجموعة مقالات تم تجميعها للرد على المعتزلة الذين كان معهم أبو الحسن الأشعري لسنوات، ثم بدأ يرد عليهم، تلك الردود تسمى بالمنهج والمعتقد الأشعري!
فلما يبدع شخص في العربية أو الفقه، يكون مستقلًا عن الأشعرية فيما هو خارج عن مباحث الأشعري، فعلى سبيل المثال مذهب الشافعي دوّن إمامه أصوله، وفقهه، وكان الأمر يعمل دون أي صيّغة كلامية، والأشعرية اللاحقون الذين تكلموا في الأصول مثل الباقلاني كلامهم في الأصول يكون صنعة أخرى غير الكلام، والمسائل التي ينكتون عليها كلاميًا لا فائدة أصولية فيها.
على أن دخول الأشعرية في أبواب أصول الفقه كان في العديد من المباحث معارضة للشافعي نفسه وطريقته وأهدافه، كمعارضة جمهورهم المنتسبين إلى الشافعي في الفقه لتقرير الشافعي أن الأمر يفيد الوجوب، لأهداف أخرى تتعلق بمفهوم الكلام الإلهي عندهم وهل له صيغة ونحو ذلك.
تلك الأهداف للأسف كان التعليم المدرسي للأصول يغفلها، فيقولون الأصوليون قسمان:
1-طريقة الفقهاء، وهم الذين يخرجون الأصول على الفروع يعنون بهم الحنفية. 2-ويقولون طريقة المتكلمين وهي التي تخرج الفروع على الأصول.
على أن هناك طريقة أخرى وهي صياغة الأصول لأهداف المحاججة العقدية مثل مبحثهم هل للأمر صيغة فهي متصلة بمسألة الكلام عند الأشعري، لا علاقة لها بالفروع الفقهية، ولا أصول الفقه في الواقع إلا من جهة خوف محاجتهم بكلام الشافعي في هذا الذي يخالفهم بشكل صريح.
فمسائل الأصول نفسها جهود خارجة عن مذهب الأشعري نفسه، وهذا الجويني لما ألف [البرهان] قام عليه الأشعرية، وعارض الأشعري بأشد ما يكون من ألفاظ، فهل نقّح المذهب عبر قرون؟
لا، بل كان لكل شخصية معينة مقالاتها التي سلمت ببعض أصول من سبقها وقد تخالف، لا تنقيح كالفقه مثلًا، وكانوا يختلفون فيما بينهم بأشد ما يكون.
أما شراح البخاري، فللبخاري عليهم منّة، وهو ليس بأشعري بل كلامه الصريح يخالف ما اختصت به الأشعرية، وليس كل الشرّاح أشعرية فابن رجب ليس أشعريًا على سبيل المثال، ثم هذه الشروح بين يدي الناس، كم نسبة المسائل التي هي مأخوذة من خصوص مقالات الأشعري؟ مع لوازمها وتفريعاتها؟
شيء لا يكاد يذكر في عموم الأبواب، وهي جهود خارجة عن التأطير بالأشعرية أصلًا، ألا ترى أن الزمخشري قيل إن الاعتزال في تفسيره يُخرج بالمناقيش؟ لدقته وقلته، فلا يقال بأن علومه في العربية مثلًا اعتزالية! وهذا مذهب أبي حنيفة في الفقه لا تكاد تجد إسنادًا إليه في الفقه [انظر أسانيد ابن عابدين] على سبيل المثال، إلا وفيها جهمي ومعتزلي، فأي استدلال هذا؟ وها هي أسانيد البخاري نفسه حوت رواة من الشيعة، والخوارج، والقدرية ما هو معلوم، فأي استدلالات تلك!
ثم إن الأشعري نفسه لا يحتج بالكثرة، بل لابد عنده من إجماع لا يخالف فيه واحد، والشاذ عنده هو من خالف الإجماع لا الكثرة، وهو لم يخترع هذا بل هو تابع للشافعي في أصله كما بيّنه ابن فورك.
فماذا بقي؟ بقيت بعض المقالات الخاصة المأخوذة من المحاججة للمعتزلة تلك التي أبداها الأشعري، لا أكثر، فلا يحاجج من استفاد من السابقين في العربية، والحديث، والفقه، والأصول، ونحوها بأن منهم أشعرية، فمقالاتهم خارجة عن هذا بل هي فيما يتعلق بالمحاججة والمجادلة التي دفعوا إليها مع المعتزلة.