شَيبة وخَيبة (4)

ما أن جاء عام 2017 حتى كان الطيباوي يصدّر نفسه على أنه مفكّر، إنه باحث، يقرأ للجميع، لكن بقيت في نفسه الأدوات نفسها التي اكتسبها عبر رحلته الانتهازية، وبدأ يوزع تزكياته! فشهد لواحد من ثقلاء الفهم والظل بأنه وجده “عارفًا بمذهب شيخ الإسلام المعرفي”! يكتب تزكيته على ورقة، يصوّرها بالهاتف، ثم يطير بها من تصل إليه، شهد لي الطيباوي! وصلته في العام نفسه أخبار الجدال عن المعارف القبلية، كانت في وقت لم يعد هناك موجة تشهره، فقرر اقتحام اللجة، وكتب في الموضوع، فما الذي وصل إليه الطيباوي؟

" ‍مقاربة ابن تيميَّة كاملة، وتنطلق من الحقيقة الشعورية الباطنيَّة للنفس، و‍مقاربة “‍ديكارت” ‍تشبهها تقريبا لأنّه ركَّز على الرُّوح كيف تدرك وجودها بمعزل عن معطيات التَّجربة" [1].

كان يقارن ابن تيمية بديكارت [الثنائي]، في حين لما رد عليّ كان يتحدث عن “مغالطة تصنيف المسلمين بالثنائيات الفلسفية” [2]، فكيف تقارن من حيث المبدأ بينهما إن كان الأمر بنفسه “مغالطة”، لكن لا إشكال فالطيباوي دومًا ينقد قولًا وكأنه لم يكن قد قاله، #كأنه_لم_يكن_منهم.

حتى يصل القارئ إلى مقالاته التي سماها " أسلمة المادية: النظرية التي ولِدت فاشلة". والعنوان ينبئ عن عدم دقته في انتقاء الكلمات، فبعبارات الفلسفة القديمة هناك قسم من الفلسفة (علمية) وهناك (فلسفة عملية)، العلمية مثل الإلهيات، مباحث الوجود، والعملية مثل الأخلاق والسياسة، في العلمية يقال: نظرية: صادقة/كاذبة، أما فاشلة فهذا يكون عندما ينطلق في الجانب العملي لتحقيق أمر ما، فينجح فيه أو يفشل، والنجاح قد لا يكون أخلاقيًا أو يكون. فالمطلوب هنا هو صدق الأمر من كذبه، أما حكاية النجاح، فلا أدري لأي شيء يتحاكم في هذا، هذا أمر مختلف، ومن خلط بين المقامين، سيردد مع وليم جيمس قوله: “إذا أثبتت الأفكار اللاهوتية أن لها قيمة في الحياة الملموسة المحسوسة، فهي أفكار صحيحة بالنسبة للبراجماتية بمعنى أنها نافعة إلى هذا الحد”[3]. مثلًا هل الإيمان صحيح؟ سيسأل وليم جيمس: هل ينجح بالتخفيف عن المرضى أم يفشل؟ يمنعهم من الانتحار مثلًا، نعم ينجح إذن هو صحيح، يفشل إذن ليس صحيحًا، ماذا لو كان هناك إيمان بدينين، ونجحا نعم هما صحيحان لأنهما نافعان، تخيل إذا أضيف إلى هذا انتهازية ترى النجاح والفشل معياره شخصي، حينها تجد ما سبق من تاريخ حافل.

فالكلمات الفضاضة أو الملتبسة، لابد من تحريرها، واستعمال الكلمات الدقيقة في حتى يفهم المقصود.

يتبع إن شاء الله


[1] مشكلة الاستدلال بكلامِ ابن تيميَّة، مختار الطيباوي، منشور. [2] أسلمة المادية: النظرية التي ولِدت فاشلة (1). [3] البراجماتية، وليم جيمس، ترجمة: محمد علي العريان، تقديم: زكي نجيب محمود، المركز القومي للترجمة، القاهرة-مصر، 2008، ص96.