شَيبة وخَيبة (٧)
كانت انتهازية الطيباوي تدافع عن مكانته للتصدر في نقد الكتاب، ومن هنا كان لابد من تشبعه بما لم يعط ناصحًا غيره ممن “معلوماته عن الفلسفة سطحية أو غير مكتملة” [١] بأن لا يسارع بالتعليق فذا سيحجب الأنظار عنه!
كأنه هو يفهم فيما يتحدث فيه، كان الكتاب مرهقًا له: “قرأت الكتاب مرتين” [١]، “وخصصت للكتابة عنه يومين في الأسبوع، في يوم أجمع المعطيات، وفي الآخر أكتبها” [١]، لقد دخل في مجال أظهر فيه تقييمه له، بقوله “أظن أن الكتاب سيشغل النقاش السلفي مدة طويلة” [١]، متوقع منك، كل ما تراه يشعل الساحة أن تدخل فيه، بدون أدنى مؤهلات، وذا أقرب تفسير لتنقلاتك القريبة والبعيدة، (ما بعد السلفية) يشعل النقاش سيدافع عنه، نقد المدخلي سيشعل فهو معه، قبل ذلك الحرص على تزكية منه، حيث كانت الساحة تتزاحم في مسألة التزكيات، فهو معها، حيثما وجد [ترند] يكون.
المهم وصل الطيباوي إلى ما سماه “علمنة جبرية” مصطلح للمزايدة مفاده: “نصل اللحظة التي لا يمكن فيها أن يبقى الله ضامنًا واقعيًا” [٢)، بهذه العبارة الإنشائية يعبر عن أفكاره، تهذيبًا لفوضاه كأنه يحاكم البشرية إلى ديكارت الذي لم يجد ضمانًا لمعرفته سوى إثبات فكرة مثالية مطلقة، وذلك لتشكيكه بالحواس، كما في تأملاته، ولكن هذا بنفسه سفسطة أن يتشكك المرء بما يراه ويحسه، لأجل إثبات المطلق المثالي الذي ينبغي أن يكون ضامنًا واقعيًا!
مع ذلك ما الفكرة من إطلاق مصطلح العلمنة على من خالف هذا الطرح؟ لا شيء سوى التشنيع، الطريف بالأمر أنه يتهم الكتاب بالعلمنة في سلسلة بعنوان “أسلمة”!
وسريعا: ١-بتطويل حذلقة نصحني بالانتباه إلى الفرق بين نظرية المعرفة والأنطلوجيا الأفلاطونية، بأن أفلاطون لا يجعل الواقع تابعًا لفكرة المرء التي في عقله هو [٣] وهذا معلوم مقرر في الكتاب، لذا جرى تصنيف أفلاطون بالمثالي الموضوعي، أما على التحقيق فالمثل التي زعم موضوعيتها لم تكن سوى ذهنياته هو قد زعمها في الواقع.
٢-زعم أن المادية لا تدخل تحت المادة الغيبيات [٤]، هذا الرجل لا يفقه ما يقول، فالغيب هو ما غاب عن إنسان فلم يشهده، مثلًا هناك أجزاء كثيرة من الكون لم نشهدها فهذه غيب، هل يثبتها الماديون أم يقولون لا نفعل، بل لابد أن نشهدها بأنفسنا؟ الواقع يثبتونها، هناك أمراض لم نكتشفها [غيب] فهل ينكرها الماديون حتى يكشفونها؟ لا، فإطلاقه غلط، ومن هنا عابهم تجريبيون بأنهم يتحدثون بالميتافيزيقا [كونهم يثبتون الواقع الخارجي] دون اشتراط تجربة مباشرة.
٣-قال: “لا يمكن أن نتحدث عن الغائب عنا الذي ليس له نظير” [٤] فلا تتحدث عن الله إذن!
٤-قال: “يقول سمرين بأن الله من مادة” [٤]
هذا الكتاب موجود يقدر أي إنسان على التحقق، ليس فيه هذه العبارة، ولكن لنقرأ إلزامه: “عندما يقول سمرين بأن الله من مادة لا يمكن تصور إلا المادة بالمعنى الفيزيائي الدارج”
هذا كأنه يقول، من باب تهذيب فوضاه: عندما يقول ابن تيمية بأنه لا موجود إلا يمكن الإحساس به فإن الطيباوي لا يتصور إلا الموجودات المعهودة المحسوسة كالحجر والشجر، أليس هذا؟ هون عليك فقد أفنيت عمرك بما سبق، فلا تلحق به ما بقي بمثل هذا!
يتبع إن شاء الله —————————— [١] استراتيجية النقاش، الطيباوي، منشور [٢] أسلمة المادية، (٣). [٣] أسلمة المادية، (٤) [٤] أسلمة المادية، (٥)