أما آن للطيباوي أن يهدأ؟ وقفة مع إحدى تشنجات «مختار الأخضر الطيباوي».
“فالفلسفة لا ندخلها فقط عندما تثيرنا القضايا بل ندرسها _بسبب حاجة _في هدوء بعيدا عن الجدل حتى إذا جاء كانت لدينا أرضية نقف عليها.” [1]
هكذا خرج علينا ذات مرة خاطبا، ليفاجئنا بعدها بقيامه الليل حاطبا! من يقرأ خطبته يخيل إليه أن الرجل قد شاب رأسه في دراسة الفلسفة، لا في النسخ واللصق عن الإنترنت!
دعنا نلقي نظرة خاطفة على منشوره الثاني من سلسلته المعنونة «أسلمة المادية: النظرية التي ولدت فاشلة!» [2]، لنأخذ من حشوه عينةً ممثلة لكتاباته يصح القياس عليها. كباقي أجزاء السلسلة، يتسم هذا المنشور بالإطناب الممل وعدم الترابط بين الأفكار المطروحة. يستشهد الطيباوي فيه بعدد من الفلاسفة، ويضع ألفاظا باللغة الفرنسية في سرده، أمرٌ ما اعتدنا عليه منه.
من الفلاسفة الذين استشهد بهم «تيرسيلين» Tiercelin، قائلا:
“تيارسلن (tiercelin) #الذي في #مقاله عن الميتافيزيقا الواقعية لسنة ٢٠١١م لا #يتواني عن الكتابة ضد هيجل #فيقول: “ضربة بقبضة اليد تأتي على كل حجج المثالية المنكرة لواقعية العالم الخارجي”! هكذا بهذه السخافة #يقصد بهذا القول أن المثالية ذاتانية، ظواهرية، أو أنوية توحدية (solipsisme) نسبوية [01] التي بالنسبة إليها فإن التمثلات المنتظمة للفرد وحدها ملموسة أو حقيقية، والبيئة الخارجية غير موجودة!”
هل لاحظتم استخدامه للضمائر المذكرة؟ في الحقيقة، الاسم الأول لـ«تيرسيلين» هو «كلودين» Claudine، تيرسيلين أستاذة فلسفة فرنسية في «كوليج دو فرانس» Collège de France! فالرجل لم يتعب نفسه في معرفة من يقتبس، لم يقرأ ما كتبته بل وما كتب عنها! ليس ذاك بالمهم عنده، المهم أن يكثر النقولات عن مجاهيل لا يعرفهم.
الأمر لا يتوقف هنا، فالمصادر الأربعة التي ذكرها في آخر منشوره فيها اضطراب؛ يرجع اقتباس تيرسيلين إلى كتاب «اختراع الواقعية» L’Invention du réalisme، الذي ينسبه بدوره إلى «إيزابيل فوجيل» Isabelle Thomas-Fogiel، مع أن الكتاب لـ «إيتيان بومبونيه» Étienne Bimbenet، أما كلام تيرسلين فهو في كتابها «اسمنت الواقع» Le Ciment des choses.
يبقى السؤال، من أين أتى بهذه الاقتباسات؟ في الواقع، جزء كبير من مقاله هو ترجمة جوجل بالحرف لورقة فلسفية بعنوان: المعارضة بين الواقعية والمثالية L’opposition entre réalisme et idéalisme لـ «إيزابيل فوجيل» [3]، والاقتباسات التي ذُكرت هي ضمن تلك الورقة. فالرجل كما يظهر لا يعلم ما يقتبسه أصلا ومن أين اُقتُبِس؛ انظر موضع الاقتباس من المرجع الثالث عنده وقارنه بموضعه من الورقة الأصلية. كأن الطيباوي -لا قدر الله- قد دخل الفلسفة عندما أثارته، ولم يدرسها في هدوء بعيدا عن الجدل!
لنأتي الآن إلى المضمون: إن كانت هذه هي حال الرجل عند الاقتباس فلن نعجب من فهمه الأعوج للورقة. تفرق صاحبة الورقة بين المثالية والواقعية، وتقصد بالمثالية هنا معنى أخص من الإطلاق المعلوم، تقصد المذهب الأناني Solipsism: لا وجود إلا لأناي.. لتستشكل بعدها عدم وجود أحد من الفلاسفة قد قال بهذا. في الحقيقة، فالمذهب الأناني لازم على المثالية الذاتية ولا أعلم أحدا منهم قد صرح به (وإلا ترك الفلسفة وسقط بالسفسطة)؛ فالوجود عند باركلي مثلا هو أن تَدرِك أو تُدرَك، ومع ذلك فليس بإمكانه أن يثبت أن غيره من الأحياء موجودٌ لأنه يَدرِك لا لأنه يُدرَك، أي لازم قوله الأنانية، وهو ما ألزمه به ديدرو وغيره. لذلك تقترح المؤلفة عدم التفريق بين المثاليين الموضوعيين والمثاليين الذاتيين، وهو قريب مما يعبر عنه الماديون بنسبية الحد الفاصل بين شطري المثالية [4].
فانظر إلى تشنجه عند الإحالة والكتابة، لتعلم عندها سبب تجاهل خصومه له. ولك أن تتخيل من كان هذا حاله يعلق على كلام العجيري لما وافق كتاب يوسف سمرين بالتفاهة! [5].
ليس هذا بعشّك فادرجي.