نقد كتاب ”اختراق عقل“ (٢)

فالعقل عند ابن تيمية، ولو بدون شريعة أو دين، فإنه يعلم أن هذا الفعل ملائم للفاعل، نافع له، أو العكس، فـ ”جمهور أهل السنة قالوا: الظلم والشرك والكذب والفواحش كل ذلك قبيح قبل مجيء الرسول“[مجموع الفتاوى، ج٨، ص٦٧٧].

فمقولة ابن تيمية ”الظلم قبيح قبل مجيء الرسول“ يصيح بها هولباخ المادي أمام من يلزمه بنفي التقبيح العقلي، قائلا:

”أفيحتاج الناس إلى وحي فوق الطبيعة حتى يعرفوا أن العدالة ضرورية لبقاء المجتمع، وأن الظلم إنما يولِّد أعداء على استعداد لأن يسيئوا إلى بعضهم البعض؟!“. [تاريخ المادية، ص٢٦].

تذكرت هنا حرب البسوس، خاصة قصيدة جساس ابن مرة البكري الذي قتل كليّب وائل ابن ربيعة التغلبي الذي فعل الظلم، حيث قال فيها:

تَعَدَّت تَغلِبٌ ظُـــــــــــلماً عَلَينا بِلا جُـــــــــرمٍ يُعَدُّ وَلا جُـــناحِ

سِوى كَلبٍ عَوى في بَطنِ قاعٍ لِيَمنَعَ حِـــــــــميَةَ القاعِ المُباحِ

فَلَمّا أَن رَأَيـــــنا وَاِســـــــــتَبَنّا عُقابَ البَــــــغيِ رافِعَةَ الجَناحِ

صَرَفتُ إِلَيهِ نَحسًا يَومَ ســـوءٍ لَهُ كَأَسٌ مِنَ المَــــــوتِ المُتاحِ

فما تشرّد المجتمع [التغلبي/البكري] بقتل جساس لكبشِ بني تغلب، ثم دخول ذا المجتمع في حروب ثأر، إلا لعلمِ جساس بأن الظلم التغلبي، [بمجرد العقل] هو مما يجعله يفعل السوء في بني تغلب، وأن العدالة لو كانت متوفرة في ابن ربيعة التغلبي؛ لبقي ذلك المجتمع متماسكا من دون أن يقع سوء من هذا إلى هذا.

فانظر قول ابن تيمية ”الظلم والفواحش والكذب قبيح قبل مجيء الرسول“ وقارنه يقول ديستوفسكي كما جاء في كتاب نظرية ابن تيمية، حيث قال:

”لن يبقى هناك شيء يعد منافيا للأخلاق، وسيكون كل شيء مباحا، حتى أكل لحوم البشر، متى كان هذا الفرد لا يؤمن بالله“.

في أي خانة علينا أن نضع هذا النص؟ يوضع في الخانة المثالية التي تفرعت عنها النصرانية القائلة بعدم إمكان توفر أخلاق من غير دين. وأن الفرد بعقله/من دون دين، لا يستطيع أن يؤكد على أخلاقيته.