الشيء/الجسم/المادة

كان جهم بن صفوان (١٢٨هـ) قد أنشأ منظومة مثالية طوّرها في إطار صراعه مع فرقة عُرفت في التراث الإسلامي بالسمنية وهي تشارفاكا، فرقة هندية ملحدة تتبنى الفلسفة المادية، كما جرى بيانه في [نظرية ابن تيمية في المعرفة والوجود].

حاول جهم في فلسفته إثبات إله غير القابل للحس، أو بعبارة أخرى غير قابل (للتشييء=وهو اصطلاح بقي بعدهمستعملًا في الإسماعيلية) حيث نفى جهم أن يكون الله (شيئًا).

في القرآن: (الله خالقُ كل شيء) [الزمر: ٦]، فهل يوجد شيء غير مخلوق؟! نفى جهم هذا، فكل ما هو شيء هو مخلوق عنده، من حيث اللغة كان لفظ شيء لا يبعث على ارتياح في نفس جهم لتعارضه مع فكرته، فتقول وسط الشيء، جزء الشيء، هذا الشيء أكبر من هذا الشيء، وبالتالي لم يكن جهم راضيًا على إطلاق-وصف الشيء-على الله، حيث إن الإله عنده غير قابل للحس، للإشارة، لأدنى مشابهة مع غيره.

ولكن لسوء حظه فإنه اصطدم بما يخالفه من القرآن: (قل أي شيء أكبر شهادة قل الله) [الأنعام: ١٩) فسمى الله نفسه شيئًا، كما قال البخاري، ونقل الإجماع على هذا غير واحد كابن القطان، وتتابعت الفرق على تسليم الإجماع كما ذكره الرازي في [المطالب العالية].

كان لابد من تغيير الصيغة، مع الإبقاء على الفكرة، فصارت الجهمية تقول (هو شيء لا كالأشياء)، واستبدلت لفظ شيء باصطلاح جسم، ونقلت الفكرة الجهمية لهذا الاصطلاح الجديد الذي لم يكن على عهد جهم.

فصار كل جسم مخلوق، والله ليس جسمًا، وبقيت الفكرة هي نفسها، ويظهر أن هذه الحيلة اللفظية كان لها أثرها الهائل، حيث تتابعت كثير من الفرق على ترديدها، إنه لأمر لافت أن يظهر كم هي المسألة لفظية عند كثيرين، يكفي تغيير الغلاف لقبول المضمون الذي سبق رفضه!

وقف ابن تيمية بشكل شرس نقديًا حول التفصيل الكلامي حول أن غير الله جسم [تم خرق هذا لاحقًا عند المتكلمين وغالبًا كان من جهة الغزالي حيث نصر وجود ممكن غير جسم=الروح] وأن الله غير جسم، في موضع كثيرة مسميًا هؤلاء بالجهمية، يظهر هذا في رده على الرازي بعنوان [بيان تلبيس الجهمية].

ثم في القرن ٢٠، تتابعت الكتابات الإسلامية على رفض [المادية] في صورة مذهلة لإعادة التاريخ أصداء ذلك اللقاء بين تشارفاكا [السمنية] وجهم، وجرى الحديث مرارًا عن الإله غير المادي، مقابل المادة المخلوقة.

اللافت في كل ما سبق، كم يُحدث تغيير عبارة نسيانًا شبه كامل للأطروحات الأقدم منها التي حوت المضمون نفسه.