يقول ابن تيمية: “من اعتقد أن العرش هو المكان، وأن الله فوقه، مع غناه له، فلا ريب أنه في مكان بهذا الاعتبار” [6]، فلا ريب أنه في مكان! لكن انظر الدعجاني:

“اعتقادنا الديني بمخلوقية الزمان والمكان… لما علم من الدين بالضرورة استحالة أن يحيط به سبحانه شيء من مخلوقاته”.

أبدل كلام ابن تيمية بكلام الدعجاني ليصبح كلام ابن تيمية بنظر الدعجاني “فلا ريب أنه في مخلوق يحيط به”!! أهذا هو مبلغ جهد الدعجاني في تصوير مذهب ابن تيمية في المكان! نأتي للزمان، وهو نسبة بين الحوادث عند ابن تيمية، هل الحوادث عند ابن تيمية كلها مخلوقة حتى يتم نفي الزمان كما هو مذهب الدعجاني؟

يقول ابن تيمية:

“فالموجود هنا هو الله سبحانه وتعالى، وهو متقدم على العالم، بتقدم هو من صفات نفسه، وإذا قيل هو زماني وكان المراد بالزمان هنا شيئًا من صفاته، لم يكن ذلك محالًا، وليس النزاع في مجرد لفظ، فإنا نعقل ونتصور تصوّرًا بديهيًا وجود شيء قبل شيء، من غير أن كون هناك موجود غيرهما، فهذا التقدم سواء سموه زمانيًا أو لم يسموه فهو معقول” [7].

لم يكن هذا محالًا!

في حين يقول الدعجاني: “علم من الدين بالضرورة استحالة هذا”!! ابن تيمية يجهل بنظر الدعجاني معلومًا من الدين بالضرورة، ويقول: لم يكن هذا محالًا وليس النزاع في مجرد لفظ.

على أن نفي الدعجاني الزمان بإطلاق، ما الذي يفهمه منه المتكلمون والفلاسفة؟

يعني أنه لا يوجد حوادث، حتى يقال هذا قبل هذا، وهذا بعد هذا، وهذا يتركب على مذهب أرسطو (المحرك الذي لا يتحرك) وأوقع المتكلمين والفلاسفة في إشكالات كبيرة في مسألة ((خلق العالم)) لأن مذهب أرسطو لا يتسع لمسألة الخلق، لكن الدعجاني يكرر كلام خصوم ابن تيمية بجدارة، لا زمان، إذ لا حوادث، لا قبل ولا بعد، لا يوجد ملكة لوصفه بهذا.

وللتسهيل هذا هو القرآن، القرآن من حروف وكلمات، جرب أن تنفِ الزمان عن الحروف؟ يعني لا يوجد حرف [قبل/ظرف زمان] حرف، إذ إن هذا أمر ضروري لتركيب الكلام، ما الذي يبقى؟

1-إما القول بأن القرآن مخلوق، إذ جرى عليه زمان فالباء في بسم الله، قبل السين ضرورة، ثم السين.

2- أو القول: بأن هذا القرآن اللفظي مخلوق كما هو مذهب الأشعرية والماتريدية وإثبات كلام قديم ليس فيه حروف (ولا يجري فيه زمان).

3- أو القول بأن الحروف كلها قديمة وهي مكابرة، حيث إن الكلام المركب يلزم منه الحدوث.

وكيفما كان فمذهب ابن تيمية حدوث الأفراد، مع عدم القول بأنها مخلوقة، بل أفراد الكلام حادثة غير مخلوقة عند ابن تيمية، أي إنه يقول بجريان ما اصطلح عليه بالزمان [نسبة بين الحوادث] دون تخيل أن الزمان شيء متوسط بين الحوادث قائم بنفسه كما يتخيل الدعجاني. مودتي.


(*) رابط كلام الدعجاني: https://www.facebook.com/abdullah.daj/posts/1268842863463209 [1] رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألة حوادث لا أول لها، عبد الوهاب الإخميمي، تحقيق: سعيد عبد اللطيف فودة، ص28. [2] رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألة حوادث لا أول لها، عبد الوهاب الإخميمي، تحقيق: سعيد عبد اللطيف فودة، ص35. [3] بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، ط مجمع الملك فهد، ج2، ص341. [4] منهج ابن تيمية المعرفي، عبد الله الدعجاني، ص306. [5] منهج ابن تيمية المعرفي، عبد الله الدعجاني، ص340، 341. [6] درء تعارض العقل والنقل، ج6، ص249. [7] بيان تلبيس الجهمية، ط الملك فهد، ج5، ص222، 223.