حوار… مع القراء الكرام. بمناسبة رد عبد الله الدعجاني على كتاب (نظرية ابن تيمية في المعرفة) الحلقة الثالثة
أكمل عبد الله الدعجاني بعنوان (لم يكن لغزًا) وأعاد فيه صياغة كلامه، ووجهه إلى القراء الذين لمس فيهم حسًا نقديًا لكلامه(*)، فلا يصدّق الناس كل ما يقال لهم، وأعاد هل الله مادة؟ وهو السؤال القديم هل الله جسم، ونفى هذا تمًامًا لأن المادة أو الوجود الموضوعي لا يكون إلا في زمان ومكان.
وقال: “أن يكون الله تعالى متزمنًا في “زمان مخلوق”، ومتمكنًا في “مكان مخلوق”، وهذا باطل بإجماع السلف الصالح، بل وبإجماع أهل القبلة، إلا ما أثر عن مقالات التمثيل”.
وهذه الإجماعات مبنية على إلزاماته وهي من كيس الدعجاني، فما هو موقف ابن تيمية؟
سبق كلامه الصريح في قوله بأنه يثبت المكان بقوله لا ريب، وأما الزمان فقد قال فيه كذلك ما سبق، ولازم قول الدعجاني أن يكون كل ما يشار إليه، وكل ما فيه زمان ومكان مخلوق، وهذا رفضه ابن تيمية، ولازمه بأن الله لا يوصف بأنه (قبل العالم) قبلية زمنية، لأن الله لا يجري عليه زمان، كما ذهب إليه ابن سينا، وقد رد عليه ابن تيمية، فقال:
“إن التقدم والتأخر المعروف، هو التقدم والتأخر بالزمان، فإن ((قبل)) وبعد ونحو ذلك معانيها لازمة للتقدم والتأخر الزماني”[1] “وهو سبحانه متقدّم على كل ما سواه التقدم الحقيقي المعقول” [2] أي التقدم الزمني، فلما يطبق الدعجاني كلامه، يكون سلفه ابن سينا، لا ابن تيمية.
هذا بنظر الدعجاني مادية يجب ذمها، ولمز أصحابها بالرفاق، ولكن مهلًا، قال ابن تيمية: “ولم يذم أحد من السلف أحدًا بأنه مجسم، ولا ذم المجسمة، وإنما ذموا الجهمية النفاة لذلك وغيره” [3] لا يحتاج الأمر إلى كبير عناء حتى يبدل المرء مكان مجسم، مادي، ورفيق! ومكان الجهمية أولئك الذين تمسكوا بنفي الجسم=نفي المادة، نفي الزمان والمكان، وهو ما يصنعه عبد الله الدعجاني.
هل الله مادة (الدعجاني)؟ أو هل الله جسم (الجهمية)، يقول ابن تيمية في سياق حديثه عن ردود متكلمة أهل الإثبات على المعتزلة: “وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها، أنه ليس بجسم، وأن صفاته ليست أجسامًا وأعراضًا؟ فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل؛ بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل، جهل وضلال” [4].
ويتبع: “لم يدل العقل على حدوث كل موصوف قائم بنفسه وهو الجسم، وكل صفة قائمة به وهو العرض، والدليل المذكور على ذلك دليل فاسد، وهو أصل «علم الكلام» الذي اتفق السلف والأئمة على ذمه وبطلانه” [5].
إن الدعجاني اختار صفًا ليس صف الحجج التيمية، ولا المنهج التيمي حتمًا، بل حجج خصوم ابن تيمية، ويزيد الأمر وضوحًا التالي، قال ابن تيمية عن أهل الكلام:
“التزموا حدوث الموصوفات بحدوث صفاتها، ولزمهم على ذلك وإن لم يلتزموه حدوث كل قائم بنفسه، بل حدوث كل موجود، فكان ما ذكروه من الحجة متضمنًا حدوث الموجودات كلها، حتى الرب تعالى ومعلوم أن الدليل على ذلك لا يكون حقًّا” [6].
مع أن كلام أهل الكلام إنما هو في الجسم [المادة]، ولكن ابن تيمية رأى بأن كلامهم في هذا يؤدي إلى القول بحدوث كل موجود، أي إن هذا الاصطلاح ينسحب معنويًا على الله، والأمر نفسه يقال للدعجاني الذي رأى بأن المادة هي الوجود الموضوعي، الذي في الزمان والمكان، فنفى الزمان والمكان، وهذا يعني نفي الحركة، والوجود الموضوعي القابل للحس، وهذا هو القول الذي رفضه ابن تيمية بشكل قاطع، ورفض ذلك التهويل بالقول هذا قول أهل التجسيم، ولكن الدعجاني لم يكن في زمن ابن تيمية حتى يخاطبه بالرفيق.
ثم قال الدعجاني: " ما المدهش في الأمر؟ المدهش ـ حقًا ـ أن “الرفيق السلفي” ينكر علي اعتقادي بأن كل مادة مخلوقة، ففي منشوره الخميس30 يوليو 2020م. يقول ـ لامزًا إياي بالتجهم: " والدعجاني لا يختلف عنهم سوى أنه أبدل مكان الجسم لفظ مادة، حيث صارت كل مادة عنده مخلوقة! فهل توافقوني ـ يا قرائي الكرام ـ أم توافقونه؟ هل تعتقدون أن كل مادة مخلوقة؟ أم أن هناك مادة خالقة وأخرى مخلوقة؟، ويا ليت شعري من سلفه من أهل القبلة؟ “المادة قسمان خالقة ومخلوقة”!".
صيغة الاندهاش هذه تعبّر عن طريقته في الكتابة عن ابن تيمية، كان يكتب ما لا يخالف اندهاشه، لا ما يحقق البحث، بقطع النظر عن انفعالاته النفسية، من اندهاش وعدمه، فلما قال أهل الكلام كل جسم مخلوق، لم يكن ابن تيمية ليوافقهم في هذا، فيقول: “إن عنيت بالجسم أنه يمكن أن يشار إليه إشارة حسية، لم يكن هذا ممتنعًا عندي، بل هذا هو الواجب، فإن كل ما لا يشار إليه، لا يكون موجودًا” [7].
وهذا يشمل الله، إلا أن يكون ابن تيمية عنده ليس من أهل القبلة، فها هو ابن تيمية يقول: “بل هذا هو الواجب” أرأيت من السلف في هذا؟
وأختم بهذه العبارة لابن تيمية، بدل الحذلقة اللغوية والتمسك بألفاظ تشنيعية فحسب، قال ابن تيمية: