حوار… مع القراء الكرام. بمناسبة رد عبد الله الدعجاني على كتاب (نظرية ابن تيمية في المعرفة) الحلقة الثانية
اندفع عبد الله الدعجاني ليكمل سلسلته في نقد كتاب [نظرية ابن تيمية في المعرفة]، وكما هي عادته التي جرى عليها في منشوره الأول ضجت سطوره بمهاجمة شخص الكاتب، مستعرضًا بعض محفوظاته الأدبية، لتطل في ذهنه هذه المرة قصيدة [الثعلب]، وكأنه لا يقرأ في الأدب إلا بهذا الهدف؛ زيادة قاموسه في الشتائم، دون أي أثر لتلك القراءة في زيادة قدراته النقدية، وغاظه أنني لم أجاره في ذلك الميدان، كيفما كان فلست قاصرًا عنه، ولكن لن أفسد عليه فرحة العيد، ولن أعكر على القراء متابعة الحوار، وسيوضع كلامه آخر المنشور [*]، فإلى الرد على كلامه:
قال: “من قبعة لينين إلى عمامة ابن تيمية”، واصفًا الكاتب بأنه كتب “بعنفوان أحمر”، “قارنوا بين رزانة الرفيق لما يلبس عباءة ابن تيمية، وبين شطحاته لما يتشح برداء لينين!”.
أليست هذه زيادة في نغمة طنبور سُمعتْ من قبل؟
لقد كانت إلماحة سابقة من سعيد فودة أحد أهم خصوم ابن تيمية المعاصرين، جعلته يستحضر قول الماركسيين في بيان الرد على ابن تيمية ليقول: “هؤلاء هم الماركسيون الماديون القائلون بالتسلسل في القدم وفي المستقبل، أي في الماضي والمستقبل” [1] ثم بعد قليل: “هذا الكلام صريح غاية في الصراحة في قول ابن تيمية بتسلسل الحوادث في القدم” [2] فكأنه يلمح إلى عنفوان أحمر.
لكن الدعجاني لا يرتضي بالتلميح، فلا أدري هل الدعجاني خصم للكاتب بحق؟ أم يخاصم أفكار ابن تيمية نفسها، ويردد تلك الدعاية التي كان خصوم ابن تيمية يلمحون إليها، لكنه هذه المرة بالتصريح دون تلميح، وقد سبق في ردي الأول أن الرجل هاوٍ في هذا الباب، إلى الحد الذي جعله يصنّف شوبنهاور ماديًا، وجرى بيان أن المادية لا يلزم منها الماركسية، وكيف يكون هذا والماركسية مذهب متأخر من المذاهب التي انتسبت إلى المادية.
لكن الدعجاني أخرج ما في جعبته، وأراد نسف القول بأن ابن تيمية مادي الفلسفة، كيف؟ قال:
“من أبجديات الفلسفة المادية ربط “المادة” بالزمان والمكان ربطًا حتميًا لا فكاك منه، فـ “المادة” و"الوجود الموضوعي القابل للحس” يستحيل أن يكون بلا زمان ولا مكان، هذا “إنجلز” ـ المنظر الثاني للمادية الجدلية ـ يقول: " ليس ثمة في العالم أي شيء غير المادة المتحركة، والمادة المتحركة لا تستطيع أن تتحرك إلا في المكان والزمان"
حسن، وما الذي يذهب إليه الدعجاني؟
“اعتقادنا الديني بمخلوقية الزمان والمكان فإنه يستحيل اعتقاد أو وصف أو الإخبار عن “الله تعالى” بـ “المادة” و"الوجود الموضوعي القابل للحس”، لما علم من الدين بالضرورة استحالة أن يحيط به سبحانه شيء من مخلوقاته" أي إن الدعجاني ينفي الزمان والمكان عن الله، لأن الزمان والمكان مخلوقان، فينفي أن يكون الله له “الوجود الموضوعي القابل للحس”!! بهذا الاندفاع يصوّر الدعجاني مذهبه، يستحيل اعتقاد [الوجود الموضوعي القابل للحس]! في الله.
فليعتقد ما شاء لكن ليس هذا مذهب ابن تيمية حتمًا، القائل: “إن الموجود لابد أن يمكن أن يكون محسوسًا بإحدى الحواس، لا أنه لابد لمن أقر به أن يحس به، وهذا الأصل الذي قالوه عليه أهل الإثبات، فإن أهل السنة والجماعة المقرين بأن الله تعالى يُرى متفقين على أن ما لا يمكن معرفته بشيء من الحواس فإنما يكون معدومًا لا موجودًا” [3].
الدعجاني الذي كتب كتابًا عن ابن تيمية، وكان في منشوره الأول قد تظلم من نقده فيه بقوله عن الكاتب: “جزارته البشعة لنصوص المفكرين والعلماء مع تشويه رؤاهم، وقد نالني منه نصيب في توصيفه العلاقة المفتعلة بين ابن تيمية وكانط”
((العلماء)) و((المفكرون)) يجري تشويه قولهم ومنهم الدعجاني بنظره لنفسه، فيرى أن الكاتب اتهمه بإقامة علاقة مفتعلة بين ابن تيمية وكانط، بحق؟ وكأن كتابه رفع من بين أيدي العالَمين، ألم يقل فيه:
" قريب من هذا التوازن المعرفي التيمي، ما قرره الفيلسوف الألماني كانط" [4].
ولم يكتف بالقرب، حتى قال صراحة: “يقول ابن تيمية [وساق نصًا لم يفهمه إلى أن قال] الحل يكمن في القول بتظافر العقل والواقع، على إنتاج المبادئ الأولية، وتلك رؤية الفيلسوف كانط” [5].
ثم ها هو يعيد كلام كانط بنفي الزمان والمكان عن الله، ويعلل هذا بقوله باستحالة أن يحيط شيء بالله، عفوًا هذا مبني على مذهب أرسطو في المكان، بأنه الحد الباطن للحاوي الملامس مباشرة للمحوي على ألا يكون متصلًا بالمحوي، الطريف بالموضوع أنه في منشوره الأول حرص على عيب الكاتب بقوله: " منقبًا باجتهاد في ركام الأفكار البالية منذ ستينيات القرن الماضي" أفكار الستينات بالية، أما ما قبل الميلاد، فهي حية عند الدعجاني، يا له من تقدمي!!
هل هذا قول ابن تيمية في المكان أصلًا؟ وهل ابن تيمية ينفي المكان هكذا بإطلاق كما يقول الدعجاني؟