حوار… مع القراء الكرام. بمناسبة رد عبد الله الدعجاني على كتاب (نظرية ابن تيمية في المعرفة) الحلقة الأولى

بعد خمس سنوات من الردود المتبادلة مع عبد الله الدعجاني، مؤلف كتاب (منهج ابن تيمية المعرفي) كان مفترضًا به أن يحسن من معارفه، ومن صياغته وأسلوبه الذي يحرص به على محاكاة لغة (الأدب)، في مباحث فكرية وفلسفية، لكنه أطل بنقد هذه المرة على كتاب (نظرية ابن تيمية في المعرفة) ولم يكن موفقًا في الأولى ولا الثانية، دون أي إشارة لأي تطوير على معارفه، أو أطروحاته.

ورغم تطوع بعض أنصاره بالتهويش على الكتاب، إلا أنه لا يظهر أنه رضي عن قولهم فلم يكتفِ به، فانتصب للرد على الكتاب، ونظرًا لانفعاله الذي حجب عنه التريث في إطلاقاته، فستكون فرصة للحوار مع القراء، ممن قرأوا كتابه، بأن يقرأوا نقده للكتاب، فهناك من راهن على عبد الله الدعجاني بصفته كتب كتابًا في موضوع منهج ابن تيمية، فخيل إليه أنه سيكون ندًا لكتاب (نظرية ابن تيمية في المعرفة والوجود)، وسيتم نشر رابط رده في آخر هذا المنشور، حتى يطالع القراء طبيعة ما قاله، وطريقته في التفكير، وأسلوب قلمه (*).

افتتح مقالته بقوله حوار مع (الرفيق) وهي كلمة كانت ولا زالت تنتشر في صفوف اليسار، فاستعملها من باب اللمز، على أي حال لا حاجة للرد عليه بمثل هذا الأسلوب، يذكرني هذا بتصرف صبياني من أحدهم حين قال بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يساريًا، لماذا؟ لأنه قال “اللهم الرفيق الأعلى”، ومع ذلك لابد من بيان:

قد يكون المرء ماديًا من ناحية فلسفية، ولا يلزم من هذا وصفه باليسار، حيث إن اليسار وصف لمذهب سياسي، والمادية وصف لموقف فلسفي في الأنطلوجيا، وها هو ماريو بونخي على سبيل المثال يرى بأن نيتشه مادي من ناحية أنطلوجية، ومع ذلك فنيتشه كان من أشد خصوم الاشتراكية، وتكرر لمزه بالماركسي، بحجة المادية، على أن الكتاب فيه عرض لمذهب فويرباخ، ولم يكن ماركسيًا، بل سبق ماركس إلى المادية، وعنه أخذ ماركس، وفي الكتاب كذلك باكونين وهو مخالف لكارل ماركس، لكن الرجل أراد اللمز كيفما اتفق، رغم احتواء الكتاب على فصل خاص بالديالكتيك بصيغته الماركسية ونقده.

وغني عن القول بأن ابن تيمية نفسه لمزه خصومه بأوصاف وألقاب، وكانت علامة على الإفلاس، ولكن لعل وقع الكتاب كان شديدًا على عبد الله الدعجاني أثر على تنبهه لهذا، وتنبئ سطوره المتوترة بشيء من ذلك حيث شبهه بشخصية من أشهر روايات [الرعب العالمي]، رواية ماري شيلي (فرانكنشتاين)!

بعيدًا عن كل تشغيباته اللفظية، أدخل في الرد:

قال: (هل الله تعالى مادة؟) بهذا الأسلوب البعيد تمامًا عن ابن تيمية، أو عمن هضم منهجه، بل هو الذي يوضع في جانب خصوم ابن تيمية، فبإعادة صياغة السؤال الذي كان يوجه إلى ابن تيمية، (هل الله جسم؟) انطلق الدعجاني، فماذا كان ابن تيمية يقول؟

قال ابن تيمية: " هذه الألفاظ ليس على أحد أن يقول فيها بنفي ولا إثبات حتى يستفسر المتكلم بذلك، فإن بيّن أنه أثبت حقًا، أثبته، وإن أثبت باطلًا ردّه" [1]، وذلك أن “لفظ التجسيم لفظ مجمل لا أصل له في الشرع، فنفيه وإثباته يفتقر إلى تفصيل ودليل” [2].

لا يحتاج الأمر سوى إلى قليل من الذكاء، حتى يعلم القائل أنّ اصطلاح المادة لم يرد في الشرع، فنفيه وإثباته يفتقر إلى تفصيل ودليل، فما تعريف المادة، وما المقصود بها عند الماديين؟ هي الوجود الموضوعي القابل للحس، فلو نفى هذا عن الله، وحذفنا لفظ المادة، ماذا سيكون الجواب؟

  • لا، الله ليس وجوده موضوعيًا قابلًا عن الحس.

فهذا يظهر بعد الكاتب عن ابن تيمية تمامًا، ذلك الذي قال بالحرف: “إن عنيت بالجسم أنه يمكن أن يشار إليه إشارة حسية، لم يكن هذا ممتنعًا عندي، بل هذا هو الواجب، فإن كل ما لا يشار إليه، لا يكون موجودًا” [3]

ورجل لم يهضم البحوث المتناولة لهذا في الكتاب يقول: “ليس في الوجود والمعرفة ـ عنده وأساتذته الماديين ـ إلا طريقان: إما المادية وإما المثالية، وفازت المادية في صراعها مع المثالية”

بحق؟ ماذا قال ابن تيمية أصلًا؟ قال بأن الأشياء إما معينات قابلة للحس، وإما ذهنية ليس لها وجود في الخارج، والانطلاق في المعرفة من المعينات الخارجية إلى الذهن، من الذي حصر في هذين؟ إما معينات قابلة للحس، وإما ذهنية فحسب، إنه ابن تيمية، فهل هذا الكلام كلام الماديين؟ بشهادته هو نعم، لو زدنا درجة أخرى، المثالية يعرفها ابن تيمية جيدًا فهو يرد على أفلاطون وهو مثالي لا يجادل في ذلك من له أدنى اطلاع، ويرد على أرسطو فيقول:

“إذا حُقق الأمر عليهم، لم يوجد في الخارج إلا الجسم وأعراضه، وأثبتوا في الخارج أيضًا الكليات المقارنة للأعيان، وإذا حقق الأمر عليهم لم يوجد في الخارج إلا الأعيان بصفاتها القائمة بها” [4].