ما حكم نشر رسالة خاصة..

بعض الناس يلقي أحكامه الأخلاقية بطريقة عاطفية، دون تفاصيل الفقه، أذكر مرة نشرت رسالة لأحد من كانوا يتصدرون للرد على الإلحاد، يعرض فيها التعاون على رد الإلحاد، ولم أجبه حينها، ثم مضت الأيام وألحد، فعرضتها، وعلقت عليها، فقام بعض المنتسبين للشرع بالاعتراض بأن هذه رسالة خاصة!!

لم يكن للفقهاء ومن سار على قانونهم أن يعبأوا بالموافقة والمخالفة للأحكام العامية، فالعبرة بالفعل الأخلاقي نفسه، وموافقته للشرع والعقل، أما بالنسبة للرسائل الخاصة فهي تنتدرج تحت القاعدة الفقهية [الكتاب كالخطاب] أي من أرسل لك كتابًا [يقصدون بهذا مكتوبًا كرسالة] فكأنه خاطبك شفهيًا بمسألة.

والمخاطبة الشفهية تتفاوت أحكامها، فمن أسر إليك بسر لم تجز إذاعته، ويعرف ذلك بقوله أو بعُرف، فالمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا كما يقوله الفقهاء، وقد لا يجوز نشر قول تبعًا لمظنة الضرر على صاحبه لو نسب إليه وهكذا.

ويكثر العديد من الإخوة من نقل الفوائد في محادثاتهم الخاصة ويصورونها دون استئذان صاحبها، فهي فائدة لا يدل العرف على أنها سر بين المتكلمين، وهذا كقول السابقين سألته فحدثني، فما جاز فيه الإخبار والرواية جاز فيه هذا، وإلا لم يجز، كون الرسالة لها حكم الخطاب لا اعتبار بتسميتها خاصة! وإلا لم يجز أن تحكي شيئًا فيها، كالقول سألت فلانًا عن صحته وأخبرني أنه بخير!

وقد يجوز كشف محادثة تبعًا لدفع ظلم لما يندرج في عموم قوله: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) كنشر شخص لها محرفة، فتنشرها كما هي، ما لم يتعد فيها الأمر موضع الحاجة من بيان تزييف التلاعب، وذلك كله تبع لإلحاق الكتاب بالخطاب، فما جاز أن تذكره بالمعنى جاز نقله بالحروف ولا يستقيم الفقه إلا بهذا.

وقد أذيع ما في الرسائل قديمًا، ما لم يكن فيها ما يدل على سر، أو ما يمنع صاحبه من هذا، كرسالة الشافعي، وسؤالات العلماء، والمراسلات التي فيها بحوث ونحو ذلك، وكحكاية المناظرات بين اثنين ونحو ذلك، فكل هذا ليس سرًا، وينزل منزلة الخطاب فما جاز ذكره جاز نشره، وإلا لم يجز ويدور حكم الفعل في هذا على الأحكام الخمسة.