“وجود الله بكامل صفاته المحيرة، متعاليًا عن الزمان والمكان”
(الإجابة القرآنية؛ كيف أجاب القرآن عن أسئلتك الوجودية؟ مهاب السعيد، عصير الكتب للنشر والتوزيع، ص٣٩٢.)
الوصف بالتعالي عن الزمان والمكان، عندما تريد الرد على الإلحاد، لابد أن تحدد ما هو الإلحاد المقصود، وما هو الإيمان المقصود، من هو الإله الذي تحرص على إثباته؟
هذا الكلام بإثبات ذات متعالية عن الزمان والمكان قاله فلاسفة ومتكلمون، وما معناه؟ معناه بدون تطويل أن القائل يفترض وجود ذات لا يُسأل عنها بأين، لا يشار إليها، لا هي فوق ولا تحت، لا هي في العالَم ولا خارجه، ولما يصفها بالتعالي عن الزمان أي لا يقال هي قبل العالم زمنيًا، ولا يجري فيها شيء بعد شيء فلا يقال (ثم استوى على العرش) إلا على أشد الصيغ مجازًا، حيث إن ظاهر هذا يثبت أنه لم يكن مستويًا ثم استوى، ولا (على العرش) لأنه متعال عن المكان.
كذلك جاء، لم يكن قد جاء ثم جاء، ليس هذا فقط، لا يمكن أن يرضى عن واحد ثم يغضب عليه، لأن هذا معناه وجود غضب بعد أن لم يكن وهكذا، وقبل وبعد ظرفا زمان ولا يجريان فيه، أي منعت أن يكون فيه ملكة قبول هذا الوصف.
ماذا لو دفعت بهذا لآخر نتائجه؟ الذهن البشري يعمل في إطار الزمان والمكان، حتى مبدأ السببية لا يقول كانط بأنه قبلي محض، بل مركب ففيه شق قبلي وشق بعدي وبالتالي فلا يمكن أن تجري أي عملية استدلالية على ما تفترض أنه خارج الإطار الزماني والمكاني، هو أمر يقع فوق الطاقة البشرية على افتراض وجوده.
اللغة مشحونة بمعاني الزمان والمكان، تقول قديم ومحدث، جرب أن تحذف كل عناصر الزمان التي تستحضرها الكلمة، لا يبقى هناك معنى لكلمة قديم، ولا لكلمة محدث، تبقى مجرد أصوات مفرغة من المعنى.
هذا يعني أنه سيصبح متعاليًا عن اللغة، أوغستينيوس نصر هذا وبالتالي قال: لا يمكن أن تعبر عنه بالكلمات، بل بالموسيقى، ومن هنا كان للموسيقى الكنسية موضعها المهم في الديانة النصرانية في تمجيد الإله الذي يتعالى عن الزمان والمكان عن العقل واللغة.
ولكن الموسيقى مشبعة بالزمان والمكان فلحن يسبق وآخر لاحق وإلا ما سمعت أي موسيقى، سيخرج هنا ماكس بيكارد بنظريته عن الصمت، أنت لا يمكنك إلا أن تصمت لا أن تتحدث عما هو متعالٍ عن الزمان والمكان واللغة.
إنه سر، لا تقدر عن الحديث عنه حتى لو اعتقدتَ بوجوده، لا أحد يتورط مدافعًا عن سر، وإلا انكشف السر، لكن هنا لا يمكن أصلًا الحديث عنه إلا بخلطه بالزمان والمكان، من هنا ستخرج نظريات تقول يقال هذا للعوام، من باب التقريب وضرب الأمثال، لأنهم لن يعرفوا معنى السر والذي لو راهن أحد الناس أن مدعيه كذلك لا يعرفه، لم يكن لأحد أن يخطئه، ومن هنا قال بعضهم بأنه تحيّر، تاه فيما يثبته، ولم يقو عن الحديث عنه، وبعضهم جعل هذا وصف مدح حتى رواه حديثًا: (زدني فيك تحيّرًا) وهو حديث مكذوب.
هي مباحث لا علاقة لها بالأجوبة القرآنية.