على هامش الهامش

قد رد صاحب «التعليق الودود على كتاب نظرية ابن تيمية في المعرفة والوجود» على نقدي الذي نشر أمس، سأذكر أوجه تعقيبه وأرد عليها:

١. الفطرة: ينقل الرجل عن كتاب يوسف سمرين أن المثاليين “استحضروا فطرة جديدة” و"إمكانية حصول تحريف للفطرة ؛ لأنها غير معصومة من ذلك"، “لا يلغي حجيتها”.

الرد: أنا متفق مع المعقب، غير أني لم أقل ذلك بتاتا. بل قلت أن الفطرة توظف في بناء فلسفات متناقضة كما الحس، ولا يعني ذلك أن الحس لا حجية له باعتباره مصدرا للمعرفة، الأمر ينسحب على الفطرة. ولكي نحقق “أن الفطرة في صف أحد الفريقين دون الآخر ، وأن هناك فطرة صحيحة وفطرة مصطنعة” لا بد من فلسفة تدرس هذه الفطرة. باختصار، الفطرة ليست بديلا عن الفلسفة، وتسمية مقولة ابن تيمية بالضرورية البديهية والفطرية ليست إجابةً عن السؤال، بل هروبًا منه.

===

٢. المادية إلحادية: يعيد الناقد ما قاله في مراجعته من أن الإلحاد داخل في ماهية المادية، أما من حاول الجمع بين المادية والإيمان فـ"قد يكون للرجل انتماء إلى مذهب ما ، ولا يحقق هذا المذهب تحقيقا تاما ؛ لتلفيقه بينه وبين قضايا يثبتها من خارج هذا المذهب". يستشهد بالموسوعة الماركسية، مرة ببيير غاسيندي ومرة بفرانسيس بيكون.

الرد: عدا عن جعله الماركسيين هم الحكم على المادية، وهو ما سأتعرض له لاحقا، فالرجل لم يستوعب استشهادي بهؤلاء. أما بيكون فقد قلتُ أن هوبز طور ماديته وأكملها، وأن بريستلي قد ساهم بتخليص مادية هوبز من اللاهوت، ومع ذلك فالماركسيون قد اعتبروه ماديا، وهو ما حدث مع غاسيندي، فاعتبروه ماديا مع أن تصوره للإله كان مثاليا تابعا لتصور الكنيسة (وليس مجرد إثبات الإله والخلق هو من جعله مثاليا كما حاول الرجل تصوير المدخل). دعنا نستخدم نفس المصدر، ماذا قال السوفييت عن هيراقليط (ص ٥٥٨)؟ قالوا إنه مادي. ماذا عن سبينوزا (ص ٢٤٢-٢٤٣)؟ قالوا إنه مادي وإن كان ميتافيزيقيا. طيب ماذا قالوا بريستلي الذي لم يقل بوحدة الوجود وكان موحدا متدينا (ص ٨٤)؟ قالوا إنه مادي! طبعا، هذا عدا عن الربوبيين الذين أقر الماركسيون ماديتهم. لا وزن لهؤلاء عند الناقد، لأنهم لم يكونوا ملحدين.

=== ٣- الماركسية مرحلة: يتفق معي في أن المادية “توجه فلسفي له أصول تاريخية”* ليصادر بعدها على المطلوب، ويقول أن المادية مذهب إلحادي، فيظن أنه بتكرار المطلوب مرارا سيسلم له به، وسنؤمن بما يقوله! ليذهب بعدها إلى نقد الماركسيين على فويرباخ، وأن ماديته قاصرة. فهل فويرباخ مثالي لأن الماركسيين انتقدوه؟ وهل الماركسية فلسفة مثالية لأن ماريو بونخي انتقدها؟ إن كان الجواب لا، فالتطوير الفلسفي للمادية لا “يلغي وجود قدر مشترك بين جميع الماديين”، إذًا، فعلى الباحث المنصف أن ينظر في هذا القدر المشترك، ولا يقصي مسبقا المؤمنين بالله من هذا البحث ليثبت نتيجة يحلم أن يثبتها. وعلى الباحث أن ينظر إلى الماركسية على أنها مرحلة من مراحل تطور الفلسفة المادية، لا أن يجعلها الحكم على كل الفلسفات المادية السابقة واللاحقة.

=== ٤. أمور متفرقة: اعترض الرجل على “الإلحاد في المادية فعل لا ردة فعل” تصويرا لموقفه، فـ “التأثير المثالي ثابت وصحيح ، لكنه لا يكفي للتعليل”، وكأنه لم يكمل قراءة التوصيف “الإلحاد لازم من لوازم المادية بمعزل عن التصور المثالي للإله”. وبما أن المثالية ليست علة تامة لظهور الإلحاد المادي، إذًا سبب إلحاد الماديين داخلي وإلا لألحد الجميع!

يقول أن “دعوى أن مادية الماركسية مأخوذة حصرا من مادية فيورباخ أو اللف على هذا المعنى إزراء بالماركسية عجيب”، وهي دعوى لم يدعيها أحد! بل هو نفسه قد قال أن من “الطبيعي أن يكون احتكاك الأخيرين قويا بفلسفة فيورباخ المعاصر لزمنهم ووطنهم أكثر من بقية الماديين السابقين عليه”. أما رسالة ماركس الجامعية عن فلسفة الطبيعة عند ديمقريطس وأبيقور فقد كتبها وهو مثالي، يعلم ذلك من قرأ مقدمتها، ولا يعني هذا ألا تأثير لها عليه، ولكن التأثير الأكبر يرجع لفويرباخ كما هو معروف. لنرى ما يقوله إنجلز: “كذلك حسبت أن علينا دين شرف لم نوفه، هو الاعتراف الكامل بالتأثير الذي أثره فينا فويرباخ في مرحلتنا، مرحلة الزوبعة والهجمة، أكثر من أي فيلسوف آخر بعد هيجل” (لودفيغ فويرباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، دار روافد للنشر والتوزيع، ص ٨)، ويقول أيضا: “وفي ذلك الوقت ظهر مؤلف فويرباخ «جوهر النسيحية»، فسحق بضربة واحدة هذا التناقض، معلنا من جديد وبكل صراحة، انتصار المادية… جميعا، غدونا، بلحظة، من أنصار فويرباخ. ويمكن للمرء أن يتصور، بعد قراءة «العائلة المقدسة»، بأي حماسة رحب ماركس بالمفهوم الجديد، وإلى أي درجة -رغم كل اللحظات النقدية- قد تأثر به”. (المرجع نفسه، ص ٢٥-٢٦).

يستشهد أخيرًا بنقل عن السوفييت بخصوص فلسفة ديموقريطوس، ويستخلص منه عدة فوائد: • «اعتماد الماركسيين للفلسفة المادية السابقة على فيورباخ ، وذلك من بدايتها في اليونان ، لا بمع