اطلعت على نقد مؤخرًا لكتاب [نظرية ابن تيمية في المعرفة الوجود] وسأختصر الانتقادات، والرد عليها:
(قال على المرء أن يطلع على فتجنشتاين المتأخر، وكواين وغيرهما لمعرفة أن الكثير من الأمور التي كانت مسلمة أضحت الآن محل نزاع)
يعجبني الاطلاع لا شك، لنرَ أثره، فكما هو معلوم لا يهم التصور بجانب عدد كبير من الكتب لتضحي مفكرًا..
من ذلك قال: الكتاب يعرف المادة كالتالي: (كل شيء يوجد وجودًا موضوعيًا لا يعتمد على عقلنا ووعينا) هل هذا التعريف هو نفسه في الكتاب؟ لا ليس كاملًا، ففي الكتاب تزييف ما قاله الصدر في هذا الموضوع وهو اقتصاره في تعريفه هذا للمادة، ولذا تم التركيز على اشتراط “قابلية الحس”، فالأخ الناقد لم يكن دقيقًا في تصوير ما في الكتاب.
على أي حال، ما الذي يريد أن يقوله؟
قال بأن الأمر لم يعد كذلك، إذ إن [الواقعية] التي يدافع هو عنها [تقول إن العالم ربما يكون غير قابل للتصور من قبل عقولنا]، أرأيتم مقدار التطور الفلسفي؟ فهذه اللا أدرية تدخل للمزاحمة بين المدارس الكبرى، [ربما] لا يقدر العقل على تصور العالم، وربما يقدر، ربما [العالم غير متصور من قبل عقولنا].
وهذه اللا أدرية، ماذا لو سحبناها أكثر فأكثر؟ إذا كان هذا في العالم، ماذا عن الله؟ ربما يكون ثلاثة، ربما واحد ربما لا نقدر على تصور أي صفة له، ربما ليس موجودًا، ربما هو موجود لكن لا تقدر عقولنا على البت في إثباته وصفاته ونحو ذلك فذلك تابع لقدرتنا العقلية على تصور ما هو في الخارج.
لا يمكننا بنظر الأخ أن نقول [العالم الموضوعي مستقل عنا لأن هذا يفترض حكمًا مسبقًا أننا تصورنا العالم بشكل تام] هذا كلامه.
فلنطرد هذا الكلام، لا يمكننا أن نقول إن كل العالم مخلوق لأننا نفترض حينها أننا تصورنا العالم بشكل تام.
لا يمكن أن نقول: إن الله لم يحل بشيء في خلقه، لأن هذا يفترض مسبقًا أننا تصورنا الله بشكل تام، وتصورنا العالم بشكل تام.
الإنسان الذي ولد قد لا يقدر على استعمال عقله ليقول بأن أمه وأباه وكل من سبقهم من البشر منفصلون عن أفكاره ووعي هو، لا يقدر أن يقول هم يسبقونه منفصلون عن وعيه، وكذلك الله قبل أن يعي شيئًا لأنه لم يتصوّرهم كلهم بشكل تام، قد لا يمكن أن يقول هم مستقلون عن وعيه، لا يمكنه البت بهذا، فالفلسفة تطورت!
قد يكون موقف باركلي صحيحًا، وقد لا يكون لكن الذي يعرفه الأخ تمامًا معاداة القول بإمكان معرفة العالم عقلًا، معرفة أن العالم منفصل عن وعينا وليس تابعًا له، عن إمكان معرفة أنه كله مخلوق عقلًا، أن له كله خالقًا.
لا إشكال أن يطرح هذه اللا أدرية، المثالية الخجولة، لكن أن يقال الأمر تطور كثيرًا ليتم إعادة إنتاج أقدم صور اللا أدرية هذا يطرح سؤالًا، لماذا لم يكن الناقد أصرح قليلًا في المسائل الإلهية؟
لماذا لم يسحب قوله عن تطور الفلسفات بالقول: أوه مبحث الإلهيات هذا خرج من الفلسفة في القرن الثامن عشر، أوه الأفكار الدينية كلها من القرون الوسطى، الإسلام نفسه تجاوزته الفلسفات، أقول هذا للمعجبين بكلام لا يفقهونه، أو لا يفهمون لوازمه المنسحبة على الدين نفسه. بل بعض من تبنى هذا القول وحام حوله، كان يسوّق كلامه على أنه حل لمكافحة إنكار وجود الله، وشذراته لا تتسع للحسم في إمكانية معرفة العالم، فكيف بالله؟
مودتي