في الأرستقراطية الثقافية…

يفسح لهم في المجالس، ويُصغى إلى فارغ كلامهم وكأنه من وحي النبوة، ويحاطون بهالة تعظيميّة، فما الذي يعطيهم تلك الهالة من القداسة والمعرفة؟ إنه نظام كبير من الأرستقراطية الهرمية، التي يتوزع فيها النفوذ، عبر ممالك متنوعة، تتفق ضمنيًا على حماية مصالحها، والتي تعبر عنه بصورة ثقافة.

تلك الثقافة التي تم إنتاجها وكانت زائفة بشكل كبير، لكونها نتيجة لعمليات التزلف المتبادلة، الشكليات المرعية، وبروتوكولات تنصيب الزعامة، تتفق فيما بينها ضمنيًا على رفض ما يعريها، ولو كانت في جانب الأدلة والبراهين، ومن يخالفها فهو بنظرها من الأكثرية التي اصطلح على تسميتهم بالعامة، إنها تتحسس من كل ما يخرج عن شكلياتها، ويصادم أعرافها، وينقد رموزها، ويظهر فراغ محتواها الثقافي.

ولذا فإنها تسارع بالرفض المسبق لكل ما يخرج على إقطاعياتها، لتهاجمه بنفسيتها الأستاذية، محاولة الأخذ بثأرها على كل كلمة أخذت من نفوذ أمرائها، أمام الناس، وفي كل كلمة تنطق بها، تسمع عمرو بن كلثوم يقول:

وإن الضغن بعد الضغن يبدو***عليك ويخرج الداء الدفينا

إن تلك الإقطاعيات الثقافية البائسة، تحرص كل الحرص على ألا يحصّل الناس من المعرفة ما يجعلهم يملكون أسلحة نقدها، في الوقت الذي تحاول فيه التستر على الشخصيّات التي تسرق وتنهب في النصوص، تصرُّ على أخطائها، وتمتهن المعرفة، وترى أن التحالف معها أقل ضررًا من أعداء وجود تلك الأرستقراطية.

ولا شك فإنه يتحالف معها لفيف من الانتهازيين، وأصحاب الطموح بأن تنظر إليهم هذه الفئة بعين الرأفة، فيحصّلوا منها تزكية، وهؤلاء يصدقون أنفسهم متى نفخ فيهم الأولون لتحقيق بعض مصالح الأرستقراطية الثقافية.