في يوم ما التقيت برجل تبدو عليه السعادة المفرطة، من ذلك النوع الذي يدفع إلى توتر من هو بجانبه، أو قل على الأقل يدفعني إليه، علامَ هذه الحركات المتراقصة بالضحكات وتوزيع الابتسامات كل حين؟ لعله منتشٍ بجرعة! أو يتستر على جريمة فعلها بشكل يدعو إلى الريبة فيه بدلَ التعمية عنه.

كان التفاته إليّ مسألة وقت، هكذا خمنتُ دون فضول ولا تشويق، بل عادي متوقّع، سلّم وتبسم، وبدأ يتعرف مسرعًا كأن معه صكًا بوقتي، تعرفت عليه فإذا هو مدرّب تنمية بشرية، إنهم عيّنة تعتبر أنفسها ناجحة في الحياة، حين يقف مستقيمًا كعلامة على الثقة بالنفس، محركًا يديه كل حين كأن الموضوع يحتاج إليه عجن حتى يختمر شيء ما في رأسه، قبل أن يتحرك لسانه.

قال بأنه يريد أن ينظم دورة لإعداد مدربين في التنمية البشرية، ونحصل على شهادة بعدها، وبدأ يتفاخر بإسناده الذي ينتهي إلى بعض مشاهير التنمية لعله سمى إبراهيم الفقي على ما أظن.

تحدث عن حياته كنموذج للنجاح، وهو الذي جعلني أسمع صوتًا بداخلي يقول: تبًا، لا أعرفك يا رجل! كانت تلك الدورات قد قلبت حياته، فلولاها ما وصل إلى ما وصل إليه، وكنت أسمع طائر أفكاري يغرد: وما هو ذلك الذي وصلت إليه يا رجل! ودار بيننا حوار على عَجَل، بدأته بسؤاله: ما هو النجاح الذي تعتبر أنك وصلت إليه؟ سرد قائمة طويلة: تنظيم الوقت، الثقة بالنفس، حسن الحوار إلى آخر القائمة التي رأيتها كمجموعة أحذية فوق بعضها على باب منزل، لا علاقة لها بالمنزل نفسه، لم يكن بعد قد وصل إلى بيت القصيد، حتى قال بأنه أصبح مدربًا للناس في هذا، أها هو ذاك.

فقلت: تعني بأن نجاحك يكمن في دعوة الناس إلى النجاح؟ ماذا لو أخذ غيرك هذا الدور ودعاك إلى كل القائمة الكبيرة التي ذكرتها وفي الختام قال بأنه سيكون مدربك ويطبع لك شهادة ينتهي إسنادها إلى محمد علي كلاي، فضحك ساخرًا من الفكرة، وقال بأن التدريب مهارة طويلة وليست هينة…

قلت: كما أن أي حدث عادي يمكن جعله قضية معقدة، دفن الأموات مثلًا؛ هو عبارة حفر قبر ووضع جثة فيه وانتهت الحكاية، ولكنك تجد طقوسًا كثيرة لأشخاص أصبحوا أهل تخصص فيها، ألا تلاحظ ذلك القنديل الذي ينبعث منه البخور من يد الكاهن وهو يحركه كبندول الساعة، ويصيح بكلام من لغة انقرضت، ما علاقته بالدفن لا تعرف، لكن سيقال لك بأن كل حركة ترمز لأمر، ولعل لها عددًا مخصوصًا، إلى باقي الرواية المملة، لكنهم لن يعترفوا بأن الموضوع لا يتطلب سوى مجرفة!

لم تسعفه مهارات التنمية على كبت امتعاضه في نقاش الموضوع الذي لم يصل فيه حتى إلى رسوم دورته، فإنه إذا كان الحوار مجانيًا وكان هذا هو الحال، فكيف لو وصل إلى فقرة الخمسين دولارًا للدورة، تمنيت له يومًا سعيدًا وألا أكون قد أطرت ما أفرزه في دماغه وسبب له تلك النشوة، وافترقنا.