في فلسفة الانتحار..
عالَم الانتحار غامض لذا يدفع إلى الفضول، الذي يجعل رسائل المنتحرين كأنها صوت من عالم آخر، أحيانًا يدعو إلى التعاطف من كثير من الناس، لربما لأنهم يتخيلون أنفسهم مكان ذلك الشخص الذي رآى بأن الموت أقل شأنًا من آلامه وتعاسته، فاختاره عليها.
كان لنيتشه جملة في فحواها اعتراض أخلاقي يقول فيها إن المجتمع الذي يمنح لنفسه الحق بقتل بعض أفراده يمنعهم من قتل أنفسهم، يمنعهم من هذا الحق، ولكن نيتشه لم يدرك عصرًا قلب هذا، حيث تجد فيه الأشخاص الذين مع إلغاء عقوبة الإعدام يمنحون تعاطفهم الذي قد يبلغ التشريع للانتحار!
لا يجب أن ننسى للحظة أن الانتحار فعل قتل، قتل إنسان بكامل أهليته، لو لم تجعله جريمة أخلاقية ماذا سيكون موقفك مع رجل طلب من غيره قتله، سيكون ذلك الرجل لطيفًا لو أسدى له خدمة كمن يناوله فطيرة بعيدة عنه!
إذا سمحت بهذا رجع الأمر إلى سؤال يقول: ماذا لو ارتكب إنسان جريمة وهو يعلم سلفًا أنه في مجتمع يعدم من ضبطه متلبسًا فيها؟ أليس في فعله موافقة ضمنية على إعدامه في حال أدانوه من أول خطوة أقدم فيها على ذلك الفعل؟ أليس كحال من يذهب إلى حرب يوافق ضمنيًا على فكرة أنه قد يقتل فيها؟!
ثم هذا الشخص الذي أقدم على قتل نفسه بحجة أن الألم في الذي يعانيه أقل من الموت، أليس يشرع أخلاقيًا عمليات الإعدام التي يقدم عليها أشخاص يعتبرون وجود غيرهم أشد ألمًا على المجتمع من رحيلهم عنه؟
قد يقال لكنه أحس بالألم نفسه لا تخيل فعل غيره مؤلمًا، لا يمكنك استجواب منتحر، ومع ذلك فشعور الألم موجود في كثير من الأفعال التي تهز المجتمعات.
ثم يقال: إن فعل الانتحار يهوش أي أصول أخلاقية في مبدأ الدفاع عن النفس، وذلك أنه مبدأ يرى أنه من الأخلاقي الإقدام على قتل إنسان لو تركته كان سيقتلك، فوجودك متوقف على وجوده، ماذا لما تقلب المسألة ويصبح وجودك يمكنك إلغاؤه لسبب ما، أليس من باب أولى أن تشريعك لقتل غيرك أهون عليك؟ أو حتى لا يمكنك محاسبة قاتل قبل التأكد من أن ضحيته لم تكن تود استعمال حقها في الانتحار؟!
إن فكرة الانتحار لا تحدث ذلك الاضطراب الأخلاقي حينما تصنف كفعل يقر صاحبه بأنه جريمة تدعو إلى النفور، لا التعاطف، ولكن الحديث عنه حينما يعتبر حقًا أخلاقيًا.