ليبرالية تزيد الطوائف طائفة.
كثير من الليبراليين العرب حرصوا على بيان أنهم ينقدون التراث الإسلامي حتى يتخلصوا من الأطروحات التي لا تعزز فرص العيش المشترك، عن طريق التخلص من العقوبات على أساسا ديني، مما يتعلق بالاعتقاد كالردة أو المعاملات كالربا، ونحو ذلك.
لم يكن سلوكهم الخجول يطرح أطروحات نقدية كبرى مثل ما حصل في أوروبة، على سبيل المثال كان كانط لما أراد إيجاد قاعدة نظرية للعيش المشترك، والذي تمثل في غايته بالوصول إلى سلام عالمي، كان قد نقد الأسس النظرية في الطرح الديني وكان أهم فكرة قالها بأن العقل لا يمكنه أن يثبت الإله أو ينفيه، إنه بحث خارج القدرة العقلية بنظره.
بفلسفة كبيرة أثرت حتى في العديد ممن ينتسبون إلى ابن تيمية، بل حتى ممن ألفوا كتبًا عنه، فرددوا كلام كانط عن المعرفة القبلية وخاصيتها بالتعميم والضرورة، حتى قال بعضهم بأن العقل لوحده لا يمكنه أن يثبت الإله ولا أن ينفيه، كانط أثر فيهم بصورة أكبر من عشرات الأطروحات لليبراليي العرب بزعمها على إعادة تأويل النص، من باب اختيار ما يمكنهم الجدال فيه.
لا شك أن قدرات هؤلاء الليبراليين لا تؤهلهم للخوض الفلسفي فأصروا على مناكفة شخصيات بأخرى، وطائف بغيرها، كأخذ كلام الشيعي بالسني، والعكس، أو كلام خصوم ابن تيمية فيه، ورفعهم بأوصاف كبيرة مقابل الحط عليه.
أو حتى الزعم بأن صيغهم التأويلية كمحمد شحرور، هي التي وصلت لمعاني النص الديني وإن فاتت السابقين واللاحقين قبله، الذين يصفهم بعبدة التراث، والمشركون بآرائهم مع توحيد الله ونحو ذلك.
هذا الطرح لم يكن لكانط أن يتورط بمثله، ولذا كان عاقلًا حين قال بأن التأويل للنص الديني بمثل تلك الطريقة لا يمكن أن يقال فيه هو معنى النصوص! إنما يخدم هدف الفكرة بالعيش المشترك، وإن لم يكن تحقيقًا لمعاني النصوص.
ما يقوم به هؤلاء باسم الليبرالية ليس أكثر من تأسيس فرق دينية جديدة، لا علاقة لها بفلسفة منفصلة عن الدين، ولا تخدم حتى الفكرة الليبرالية، فضلًا عن تهافت قيمتها في البحوث الفلسفية والدينية والتاريخية، إنها تعبر عن توجهات تتصدر باسم النصوص الدينية وتخترع تأويلات تكذب حين تزعم أن معناها هو تحقيق المعنى الأصيل في النصوص، لتساهم بدل رفع الوعي عند الناس، بتشويهم البحث الديني والفلسفي والتاريخي، صانعة أجيالًا مشاكلها مع التاريخ، الذي لا تفهمه.