حول مقال لمحمد المحمود، بعنوان (دوافع الدفاع عن ابن تيمية)
فات الكاتب الذي يعرف نفسه بأنه ليبرالي، بأن الميول السياسية لا تصنع مؤهلًا في التاريخ، ولا البحث الديني والفكري، وأن الدخول في البحوث التاريخية والدينية للخطابة السياسية، يقتل أي موضوعية بشكل مسبق.
وقد افتتح مقالته بالحديث عن ضرورة التعايش في المجتمع الخليجي، دون إقصاء، ولكنّه اختار سراعًا أن يشن هجومه على ما وصفه بالفكر التيموي! بهذه الصيغة، التي تذكّر بما اختاره بعض المترجمين العرب عن الفرنسية، بالتعبير عن إسلامي بإسلاموي على سبيل المثال مراعاة للفرنسية باعتبار أن مصطلح (إسلاموي) يحمل ضمنًا تفسيرًا لا يماثل الإسلام، مثل قولهم علمي، علموي، وهذا تجاوز منهم لقواعد الصرف العربية، لكنّ الغريب أن هذا الكاتب يحاكيهم في الفكر التيموي، دون أن يكون هناك تفسير مغلوط بنظره لابن تيمية، بل عنده الفكر التيموي هو فكر ابن تيمية نفسه فكم في التقليد من فجاجة!
على أي حال من يحمل قلمًا يفترض به-على الأقل-أن يحمل ثقافة قبل ذلك، فبعد خطبة الكاتب السياسية عن ضرورة التعايش السلمي في الخليج، قفز رأسًا إلى الاستشهاد بأن فكر ابن تيمية استئصالي، بذكره لفتوى لابن تيمية دون أي إحالة، عن الدروز والنصيرية، فيقتبس كيفما اتفق! المهم قال بأن الدروز والنصيرية يعيشون في أكثر من بلد عربي، ولم يسم الخليج، وبيّن في مقاله بأن ابن تيمية شخصية تختلف عن أبي حامد الغزالي، الذي هو بنظره شخصية علمية.
حسن، يفترض أن يكون أكثر حذرًا حين يمسك بقلمه، مسطرًا كلماته دون تدقيق، فأبو حامد الغزالي له كتاب شهير (فضائح الباطنية) كفرهم فيه، وقال: “قد ألحقنا هؤلاء بالمرتدين في سائر الأحكام” بما فيها القتل، وذكر الخلاف في قبول توبة الزنادقة الذين ألحقهم بهم، وتوفيرًا عليه عناء البحث، فالباطنية هي الطائفة الإسماعيلية التي توجد في الخليج، وليس هذا تحليلًا، حتى لا يذهب به الأمر إلى المراء، فقد رد على أبي حامد الغزالي أحد دعاة الإسماعيلية، وهو الداعي علي بن الوليد في كتاب مفرد طبع بتحقيق مصطفى غالب وهو أحد أبناء الطائفة الإسماعيلية، وحمل عنوان (دامغ الباطل وحتف المناضل)، وليكن مطمئنًا فلا أحد هنا يحب أن يلوك لسانه ليسميه غزالوي!
ولما رد علي بن الوليد الإسماعيلي على الغزالي، لم يكن ليبراليًا كذلك على مذهب الكاتب، بل قال بأن الغزالي كان على ملة الإسلام ثم “مرق عنها”، وأتهمه بأنه على “محض الشرك”، وقال بأن المرتدين “نستحل دماءهم وأموالهم” وهذا من كتابه المطبوع بتحقيق رجل إسماعيلي.
ويذكر كاتب المقال أسماء يصفها بالعلمية بخلاف ابن تيمية، مثل الجويني والشاطبي وابن عبد البر، والجويني شافعي المذهب يقول بحد الردة-الذي لا يعجب الكاتب لمذهبه السياسي-وكذلك الشاطبي وابن عبد البر مالكيان، من أشد الناس على أهل البدع ويقولان بحد الردة، بل هذا قول كل الطوائف الإسلامية، وعندها لن يكون لكلامه عن المتدين التقليدي أي أساس حقيقي، فإن كان يتحدث عن متدين حديث مغاير لكل الطوائف السابقة، إذن: ما معنى تخصيص ابن تيمية بأنه استئصالي؟! إنها نفخة مصدور!
وبطريقته الليبرالية يفترض أن يكون متسامحًا مع أنصار ابن تيمية الذين يمثلون شريحة واسعة جدًا في الخليج، بما أنه من أنصار التسامح، أو أنه سيرى بأن تراث كل الطوائف في الخليج بما يشمل الشيعة الاثني عشرية، والإسماعيلية، اسئصالي بالمنطق نفسه الذي حاكم إليه ابن تيمية.
ثم لم تكن سقطات الكاتب لتنتهي، فتوترت سطوره حين ذكر ابن تيمية فقال: “شيخ إسلام السلفيين” وأنهم من السلفية التقليدية التي تطلق عليه لقبًا مجانيًا (شيخ الإسلام)، لا يدري محب المذهب السياسي الليبرالي، أن هذا اللقب له دلالته التاريخية المعرفية.
قال السخاوي تلميذ ابن حجر العسقلاني: “أما شيخ الإسلام: فهو يطلق -على ما استقرىء من صنيع المعتبرين- على المتبع لكتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، مع المعرفة بقواعد العلم والتبحُّر في الاطلاع على أقوال العلماء، والتَّمكُّن من تخريج الحوادث على النصوص، ومعرفة المعقول والمنقول على الوضع المرضيّ”، ثم ذكر ابن تيمية من هؤلاء.
وكتاب ابن ناصر الدين الدمشقي (الرد الوافر) فيه ما يكفي في هذا الباب، وبالمناسبة فقد سماه محمد حسين الطباطبائي من الشيعة الإمامية بشيخ الإسلام، في كتابه (العقائد الإسلامية)، فليست هذه التسمية مجانية من السلفيين، كما عنّ لخيال الكاتب، ومقاله المذكور مليئ بالإنشاء المتصنع، الذي يطول تتبع سقطاته فيه، فأكتفي بهذا القدر. مودتي.