المزاج العصري.
الفلسفات المتنوعة التي خرجت في أوروبا بعد العصر الرأسمالية في القرن 16، لم تبق حبيسة تجريدات كانط، أو هيوم، أو غيرهما، بل تخللت عالمًا كاملًا من الأدب، الذي تم بثه بطرق متنوعة من الروايات حتى الصحافة إلى السينما، وغيرها.
إن الفلسفات الحديثة كان فيها نقلًا للأطروحات اللاهوتية إلى مواقع جديدة فحسب، وقد أحدثت من التأثير ما لا يمكن الاستهانة به، خذ مثالًا على ذلك، قد يجري نقاش حول بعض الأحكام الدينية واستشكالها، باعتبار أنها غير مفهومة، كرمي سبع حصيات في الحج، أو الطواف بالكعبة، وتجد ردودًا دينية مقابلة على هذا باعتبارها شبهات.
هل رأيتم تشكيكًا أو ردًا على شبهة في مواضيع غير مفهومة (معلمنة)؟
مثل تنكيس العلم الوطني، مثل الحِداد الرسمي في الدولة، مثل الجنازة العسكرية ما معنى أن تضع جثة على مدفع مثلًا، أو لفها بالعلم، أو إطلاق عدد معين من القذائف تحية، أو حتى التحية العسكرية، أو الوقوف للسلام الوطني، أو تحية حدود بلد قد يزيد وينقص تبعًا لموازين القوى! والاعتراف الدولي به.
إنها صارت في مزاج عام يجعلها مسلمات، خارج أي إطار نقدي، يصبح من المستهجن فيه على سبيل المثال التكفير على أساس ديني، لكن حتمًا يقبل الحديث عن “تخوين” على أساس وطني، التخوين ليس أكثر من عبارة تحدث الأثر نفسه الذي كان يحدثه مصطلح “تكفير” في العصور السابقة، يصبح هناك استهجان لمهاجمة شخص تنكر لدين، وهاجم نبيه، ولكن هناك قبول تام لهجوم على شخص يهاجم دولة، وقد يحاكم بتهمة الخيانة.
لكل عصر مسلماته، في هذا العصر على سبيل المثال، أن تتحدث بتشكيك في أرقام الهولوكوست، او بإعادة تقييم جذري لما استقر عليه العالم بعد الحرب ضد النازية، بأي تشكيك يكون الأثر مماثلًا للتشكيك بوجود الله في عصور سابقة، بمعنى أن لهذا العصر مزاجه الديني حتى، لكن تختلف مفاصله.
مثلًا يتم تسخيف منع كتاب في عصر ديني، لكنك في عصر يتقبل منع نشر خطابات هتلر على سبيل المثال، أو كتابه كفاحي، والذي استمر فيه المنع في ألمانيا حتى فترة متأخرة، يتم الاستهجان لمنع قناة على يوتيوب هاجمت الدين مثلًا، لكن سيصبح من المقبول منع قناة بتهمة معاداة السامية، أو العنصرية، مع أن الفكرة العنصرية تبقى فكرة، ما لم تنزل إلى الممارسة، لكن محاربة الفكرة ومنعها مرفوضة، لكن في غير ذلك يقبل الفكر، ويقال لماذا تحاسبه على كلماته هو لم يفعل ما يضر!