أخطر ما يشوّه التراث هو إسقاط مفاهيم حديثة عليه

هذا يحدث خلطًا تاريخيًا، لنشوء المقالات والتصورات، غالبًا ما يكون لفقدان الحس التاريخي، على سبيل المثال في فيلم (الرسالة) إخراج العقّاد يخرج حمزة بن عبد المطلب بعد الاضطهاد الذي نال المسلمين ليقول لمشركي قريش: “وأنتم لماذا تحرمونه حقَ الكلام”؟! هذا عنصر دخيل، وهي خطبة فولتيرية في أحسن الأحوال فلم يكن واردًا الدفاع عن حق التعبير بأي موضوع كان في ذلك الزمن، إنما هو حق وباطل، فالمحق يتكلم والمبطل لا ينبس ببنت شفة!

ولذا وقع الفيلم بسقطة مفاهيم حين يأتيه الرد “محمد مفترٍ وكذاب” فيضربه حمزة ويقول: “ردها علي إن استطعت”، فهذا يتماشى مع روح ذلك العصر، لكنه لا يتماشى مع “تمنعونه حق الكلام” وهو يضرب رجلًا لكلمة!

كذلك في المحاكمات التاريخية لم يقل حنبلي مثلًا أن المعتزلة منعوه حق الرأي، ولم يكن مفكرًا بهذا، لذا لم يعطوا المعتزلة حق التعبير حين امتد نفوذهم من عصر المتوكل فما بعده، كذلك الحال مع المعتزلة فلم يقولوا تم منعنا من حق التعبير! بل اعتبروا ما جاءوا به دينًا يجب تطبيقه.

فكرة حق التعبير هي فكرة حادثة تتردد في الأدبيات الفرنسية قبل الثورة ١٧٨٩ وما بعدها، وهي منجز تابع لمفاهيم مستقلة تمامًا عن الخلافات الإسلامية السابقة، لذا من الخطل ما قام به محمد عمارة في (فلسفة الحكم في الإسلام) حين جعل المعتزلة مدافعين عن الحريات ويقاربهم بجان جاك روسو بفلسفته عن العقد الاجتماعي! لذا اضطر في الكتاب إلى عدم الحديث عن محنة أحمد ألبتة وقفز إلى الحديث عن محنة المعتزلة.