فلتفرحوا بشيخ أزهركم.
لماذا أنتم في صف الحداثة؟ هذه الكلمة تماهي بين موقف انفعالي، وبين مشروع فكري كامل يقوم على الروية والعقل والنقد، لا أدافع عن رئيس جامعة القاهرة، لكن بحق ما الذي قاله ويخالف فيه الأزهر؟ كلمة واحدة شذت عن خط الأزهر تسجل على رئيس جامعة القاهرة؟ هل هو الانتماء للدولة والتي أكد عليها شيخ الأزهر؟ هل هي محاربة الإرهاب التي أكد عليها شيخ الأزهر في حين أنه انفعل لما قالها رئيس جامعة القاهرة وقال له بلعنا الطعم؟
إن ما يحصل ليس سوى إبراز من يقوم بالسيطرة والضبط أكثر، بحجة أنه مؤهل أكثر، إنها حفلة لاستعراض النفوذ فقط، ما يقوله شخص قد يكون مرفوضًا لأنه من جهته فحسب، أما إن كان من (مؤسستنا نحن) فهو عين الصواب، لماذا لأنه يخدم نفوذ الأزهر فحسب، هذه كل الحكاية، هل المعركة كانت بحق في ذلك المؤتمر بين الحداثة والتراث؟ لم يكن فيها أي شيء من هذا أصلًا، ولم يتحدث رئيس جامعة القاهرة عن هذا أصلًا، إنما افتعلت افتعالًا عارضًا.
في الكلمة الختامية لشيخ الأزهر أخذ 10 دقائق كاملة في مهاجمة الجماعات الإسلامية المتطرفة، والتي لم يتعرض رئيس جامعة القاهرة إلا في كلمة عارضة! فأقام شيخ الأزهر عليه الدنيا، ومع تأكيد شيخ الأزهر لرفضه للدولة (الدينية) فإنه يرفض الدولة التي تقوم على جحد الأديان وعزلها عن توجيهات الناس، أي هو مع دولة تسمح بحق التدين، أي دولة هذه التي تمنع هذا الحق؟
فهذا القدر مشترك مع دولة مثل بريطانيا، أو دولة مثل إسرائيل، وحتى فرنسا التي توصف بالعلمانية المتطرفة فإنها لا تمانع من التبشير الديني، ولا تجحد حق الناس بالإيمان، وهذا من منجزات الحداثة التي يحسب البعض أن شيخ الأزهر حاربها! إنها من صميم الدولة الليبرالية، قد يسجلها البعض نقطة شجاعة لفضيلته بأنه قد يكون لمز الاتحاد السوفييتي السابق في عهد ستالين، لربما هذا حق، فهذه نقطة لصالحه.
ثم ما حكاية وكالة شيخ الأزهر عن (الأديان) يعني قد يتفهم البعض أنه يحسب أنه ممثل لما يعتقده الأزهري، حتى في الإطار الإسلامي فالأزهر لا يمثل إلا الأزهريين الذين يبصمون بالعشرة لفضيلته، ولا يمكنه إخراج من لا يعتبره ممثلًا له عن الإسلام، فما باله كل حين ممتعض من أي إساءة للأديان، من أي جرح لمشاعر الأديان، ومن ذا الذي يحدد ما هي هذه الأديان؟! هل فوضته أديان البشر كلهم للحديث باسمها، والحفاظ على مشاعر أبنائها؟
قال شيخ الأزهر: المواطنة الكاملة حق لجميع المواطنين، دون أي تفريق على أساس ديني، بمعنى أنه لا يعارض أن يكون رئيس مصر مسيحيًا، لا معنى لها إلا هذا، وهذا من مميزات الليبرالية=الحداثة كما يحب البعض أن يسميها، قمة الانفتاح الذي لم يجرؤ رئيس جامعة القاهرة على قوله.
لابد أن تهنئ غير المسلمين بأعيادهم وما يدعيه المتشددون فهو جمود، يا لله، هذا ما حارب به (مولانا) الحداثة، ورمى من لا يرى التهنئة بأنه من باب الفتنة التي هي أشد من القتل، لم يخبرنا ما الذي يفترض أن تسمعه منه الأجهزة الأمنية لحسم الفتنة؟ لعله يقصد أنه يجب التصدي لهذه الجماعات من باب محاربة الإرهاب، فهي أشد من القتل فيحال المرء إلى محكمة أمن الدولة بحجة أنه رفض تهنئة زميل له على غير دينه بعيد لا يراه عيده!
فلتحل أوراقه إلى المفتي لأنه قاتل، عفوًا لأنه ارتكب ما هو أشد من القتل، إن مولانا نسي أن الليبرالية تضمن الحق لمن لا يريد أن يهنئ كما تضمن لمن يهنئ بل من يقول إن التهنئة حرام حقه في التعبير يفترض أن يكون مضمونًا بدون تمييز ضده، أم المواطنة حق للجميع إلا لهؤلاء المتشددين؟! الذين صنفهم شيخ الأزهر لمجرد أنهم اختلفوا معه في مسألة فقهية.
شيخ الأزهر يجرم عدم التهنئة بحجة أنها قد تؤذي بعض أتباع الأديان نفسيًا، أما أن يهين ضيفًا عليه في مؤتمر، ويقول له عليك أن تكون قد درست قبل أن تتكلم كلامك، فهذا مباح، بل واجب من فضيلته.
إن فضيلة الشيخ مجرد مقدّم على منصة إعلامية (رسمية دينية)، لا يفترض أن يمتعض أحد من هذا الوصف، وخلافه مع زميل آخر قال الكلام نفسه، بحجة: ليس هذا لك، لكنه لنا، نحن أصحاب المنصّة.