حول مناوشة شيخ الأزهر، مع رئيس جامعة القاهرة

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي على تعليق شيخ الأزهر على رئيس جامعة القاهرة، وغالبًا ما كانت الآراء في صالح شيخ الأزهر، بدفاعه عن التراث، وسرعة بديهيته، وعلمه، حتى أن بعضهم علّق على لغة رئيس جامعة القاهرة بأنها ليست علمية، علمًا أن شيخ الأزهر تحدث بالعامية أكثر من مرة، واستدرك بعض الكلمات أكثر من مرة.

رئيس جامعة الأزهر لم يطرح في كلمته التي سمعتها أي حديث عن (العلمانية) ونحو ذلك، ويمكن سماع كلمته كاملة، بأنه عبر عن وافر التقدير للأئمة السابقين، لكنه قال بأن أكثر الدراسات المعاصرة تقليدية، تدور في فلك المحافظة لا التفكير النقدي، ومن بين ما طرحه أنه “لا أحد يختلف في هذه القاعة بأن أخبار الآحاد لا تفيد إلا الظن”، ثم قال: “علينا العودة إلى النبع الأول: القرآن الكريم، وما صح من السنة النبوية المطهرة” ويظهر أنه لا يعرف أن الحكم بصحة حديث يشمل خبر الآحاد، بل الواقع أن الحديث المتواتر، يغني عن السند، فالدراسات عن صحة حديث أو ضعفه تدور حول حديث الآحاد الذي يشمل المشهور بما هو دون التواتر.

وكرر مرارًا على أن الأزهر له شأنه، وأنه يعتبر نفسه تلميذًا عند شلتوت، واستشهد بكلام فضيلة الإمام ويقصد شيخ الأزهر في التفريق بين الثوابت والمتغيرات، وقال بأنه يمدح أن الأزهر انفتح على آراء أخرى خارج المؤسسة الأزهرية، ومدح هذا بناءً على نظرته بأن الصواب متعدد، وقال بأنه لا يدعو إلى التقليل من شأن الأوائل، إنما ينكر الاقتداء بهم دون التقليد الجامد لهم، واستشهد بمغني ابن قدامة حيث يذكر عدة روايات عن أحمد في المسألة الواحدة، وقد لفت انتباهي توزع الضحكات وهو يتكلم بين الحضور، ومن بينهم حاتم العوني الذي كان يقهقه عند هذا المقطع على أن تلك القهقات ليست من الحصافة البروتوكولية في مثل هذه المؤتمرات، ولعله يكون أثار امتعاض الأزهريين حين نادى بالتخلي عن سيادة العقائد الأشعرية في الدراسات الأزهرية، وقال بأنه لا أحد يملك الحقيقة المطلقة إنما يملكها هو الواحد الأحد سبحانه.

بالنسبة لبعض المتابعين كان رئيس الجامعة مرفوضًا سلفًا بناءً على الضجة التي حدثت مؤخرًا بخصوص النقاب في جامعة القاهرة، ولكن لنكن واقعيين فالمسألة مسبوقة من الأزهريين أنفسهم، والكل يعلم الضجة التي أحدثها شيخ الأزهر السابق محمد سيد الطنطاوي حين أمر معلمة بأن تنزع نقاب فتاة كانت قد كلمته، وقال بأنه يرى النقاب عادة، فضلًا عن مواقف علي جمعة من النقاب، الذي هو خريج المؤسسة الأزهرية، بل مفتي مصر وقال بأن النقاب مكروه، ونحو ذلك.

فجاء الرد من شيخ الأزهر بداية من النقطة الحساسة التي ذكرها رئيس الجامعة، من الأشعرية، وكانت أوسع من كلمة الضيف الذي تحدث، فتكلم بأن التراث هو الذي جعل العرب يفتحون البلدان، وقال بأن الأشعرية والماتريدية ومن قبلهم المعتزلة لا يبنون أصول عقائدهم على أخبار الآحاد، والأشعرية والماتريدية ومن قبلهم المعتزلة لم يكونوا حتمًا فترة العرب الذين يستشهد بهم، وهؤلاء الذين فتحوا البلدان كانوا كما حصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يرسلون واحدًا إلى البلد الذي يفتحونه بداية كما أرسل النبي إلى هرقل، والمقوقس، وكسرى وغيرهم رسائله، والذين لم يقولوا له لن نقبل حجتك علينا كون المرسل إلينا شخص واحد!

وبمناسبة الحديث عن تعدد الصواب، فشيخ الأزهر يعلم بأن الأشعري رأس في فرقة المصوّبة في الأصول التي ترى بأن كل مجتهد مصيب للحق، وبمناسبة التراث غالبًا يعلم بأن هناك من قال إن الاجتهاد قد يكون في الأصول، وقد نُسب ذلك إلى الجاحظ، وقد رد على رئيس الجامعة بأنه أشار إلى كتاب أهداه إياه في المؤتمر، وقال له: هذا كتابك إما أنه حقيقة مطلقة عندك، وبهذا تكون قد نقضت مذهبك، أو أنك في شك منه، وبالتالي: فلما تتيقن مما تكتب أهدنيه، وعاصفة التصفيق اشتعلت.

وهذا الذي قاله غريب: فليس الناس بين اليقين المطلق أو الشك مستوي الطرفين، ويخيل لي لو أن سلفيًا قالها لقالوا له هذا شآن من لم يحسن أصول الفقه كالسلفية المعاصرة إلخ، حيث يقسمون إدراك الشيء إلى يقين، وهو الجازم المطابق للشيء، والظن قد يكون راجحًا أو مرجوحًا، وهناك الشك وهو الذي يستوي فيه الطرفان، فوجود دراسة فيها احتمال غالب لا يعني أنها في شك مستوي الطرفين، ولا يلزم أنها يقين تام، ولو طبق هذا الكلام على المسائل التي للشافعي فيها وجهان ماذا سيكون؟!

ثم إن المطلق ليس مرادفًا لليقين بل قد يكون يقينيًا أو ظنيًا، ويقابله المقيد، فقد تدرس جزءًا من شيء، وتدركه ولا تدرك كل الشيء، وهكذا، فالمعرفة النسبية هي جزء من المعرفة المطلقة، حسن لا أحسب أن رئيس جامعة القاهرة يدرك هذا، لكن ليظهر أن الموضوع ليس دقيقًا، لا شك أن حفلة التصفيق، وخروج صارخ كل حين يمدح الأزهر، هو عمل غوغائي لا يحترم حتى شيخ الأزهر وهو يتكلم ويذكر بعاصفة الولاء التي كانت تعتري الجماهير حين يخطب فيهم عبد الناصر، أو صدام حسين، أو ذلك الصراخ في المناظرة وقت فرج فودة.