رد بعد سنة، فما الذي كان! (6)
في كتاب (تبرئة الإمام أحمد) نقل دون تحقيق، المهم أن يصلا إلى نتيجة مقررة، ففي سياق كيل التهم لمقاتل بن سليمان، نقلا كلام ابن حزم في مقاتل بن سليمان، قال ابن حزم: “كان مقاتل يقول: إن الله جسم ودم على صورة الإنسان تعالى الله عن ذلك” ولم يتعقبا هذا بكلمة، إنه يخدم الغرض فحسب، فإذا كان ابن رشد الذي جاء بعد ابن حزم يقول بأنه لم يصله شيء من كتب المعتزلة وهم الذين اشتهروا ببغداد بعد مقاتل، وصارت لهم دولة، وهي أقرب إلى الأندلس، فكيف بابن حزم الذي سبقه عن مقاتل الذي كان خصم جهم وهو الذي ذاع صيته الذي كان في أقصى المشرق؟!
ثم أين هذا من كتبه التي وصلت؟ لا شيء منها فيه أدنى إشارة لهذا، ألا يفترض الناظر أن هذه الدعاية كانت من جهم بن صفوان الذي كان يناظره في مسجده، ثم أتباعه وتم تناقلها للتنفير عن مقاتل، ثم من ذا الذي لا يضع مذهبه العقدي في كتابه في التفسير؟ إن أخص ما يوضح مذهب المرء العقدي هو كتابته في التفسير، وهذا يظهر أن ما نقل عنه مجرد اتهام من خصومه، فما هي البينة عليه؟ لا يهتم الكاتبان بهذا، وبعدها لا حرج أن يقول أحدهما كتابنا علمي! فثبت العرش ثم انقش، لا بمجرد النقول من الأندلس إلى بلخ دون واسطة!
قال: " الكاتب لم يضرب دليلًا واحدًا على صحة دعواه أن الإمام أحمد يستفيد من مقاتل بن سليمان" فيقال: لا يلزمه هذا إذ إن أحمد نفسه مدح علم مقاتل بالقرآن، فهذا يدل على أنه طالع تفسيره، ومع ذلك تبقى الإحالة لموضع معيّن فضلة، ولكن طبع الكريم أن يتفضل، فما نقل عن أحمد من قوله في التفسير قليل، ومن بين هذا القليل يفترض ألا يكون الشاهد محل الخلاف مع الكاتبين وهو كتاب (الرد على الجهمية)، حتى لا يقولا هذا محل النزاع أصلًا، فهل يوجد ما نقل عن أحمد في التفسير في غير هذا الكتاب، ما يفيد أنه أخذه من غيره دون إحالة؟ نعم يوجد.
فقد نقل ابن القيم في كتابه (بدائع الفوائد): “من خط القاضي من جزء فيه تفسير آيات من القرآن عن الإمام أحمد”: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} قال أحمد: “هذه مدينه مروان قد مررت بها وهي قريبة من عبد الرزاق رأيتها” كيف حدد أحمد هذا، ويقصد عبد الرزاق الصنعاني، فكيف يتحدث عن موقعها قريبًا من صنعاء؟ لابد أنه أخذ ذلك من غيره، فأين في الحديث أنها هناك؟ المنقول عن الكلبي: “كان بينهم وبين صنعاء فرسخان، ابتلاهم الله بأن أحرق جنتهم”، وقال مقاتل بن سليمان: “وكانت جنتهم دون صنعاء اليمن بفرسخين” فما المانع أن يكون استفاده من أحدهما؟ والكلبي متروك الحديث، ومقاتل متروك، فظهر أن الاستفادة في التفسير من متروك لا تعارض الحكم عليه.
لكن هذا لا يفيد أنه أخذ من مقاتل بعينه، فيقال، بالعودة إلى الموضع نفسه: قال: أحمد بن حنبل: (اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة): “باعوها”، وعقّب ابن القيم بعدها بقوله: “يريد أبو عبد الله باعوا الآخرة لا أنه فسر الاشتراء بالبيع، فإنهم لم يبيعوا الحياة الدنيا، وإنما باعوا الآخرة واشتروا الدنيا”، وهذا يبيّن أن هذا التفسير ليس من عين الألفاظ، إنما هو بالمعنى، وهو عينه في تفسير مقاتل بن سليمان: “يَقُولُ باعوا الآخرة بالدنيا” عند ذكر الآية نفسها، فها هو التطابق نفسه في غير كتاب الرد على الجهمية، فلعله يقول: هذا الجزء أيضًا هو لمقاتل ووهم فيه أبو يعلى، ومن بعده ابن القيم، لماذا؟ لأن (كتابهما علمي، وغيره غير علمي).
مودتي