رد بعد سنة، فما الذي كان! (5)

في كتاب (تبرئة الإمام أحمد) ذكر المؤلفان قول أحمد في مقاتل بن سليمان في رواية الحديث بخصوصها، حيث قال: “ما يعجبني أن أروي عنه شيئًا” ولم ينقلا شيئًا عن أحمد من قوله ما يتعلق بمعتقد مقاتل بن سليمان، إنما ذكرا ما رواه عن أبي يوسف القاضي، وهذا لا يستلزم أنه موقف أحمد بن حنبل من مقاتل بن سليمان، وضعفا ما روي عن الشافعي من مدح تفسير مقاتل بن سليمان، ولكن كان الأجدر بهما أن ينقلا ما هو قول أحمد بن حنبل في تفسيره، وهو المعني بالبحث، وقد نقلت في ردي عليهما كلامه “قال الأثرم: سمعت أبا عبد اللَّه يسال عن مقاتل بن سليمان؛ فقال؛ كانت -أرى- له كتب، ينظر فيها، إلا أني أرى أنه كان له علم بالقرآن”، هذا الذي أعرضا عن ذكره في البحث الذي يفترض أنه (علمي)!

فأحمد كان يرى بأن الرجل من العلماء بالتفسير، ولا تلازم بين ضعفه في الحديث أن يكون ضعيفًا في التفسير، لذا قال ابن حجر: “كان حافظا للتفسير لا يضبط الاسناد”، فهو حافظ للتفسير، لكنه ضعيف في الحديث، لذا كان كثيرون يستفيدون من تفسيره، “قال نعيم ابن حماد: رأيت عند ابن عيينة كتابًا لمقاتل فقلت يا أبا محمد تروي لمقاتل في التفسير قال لا ولكن أستدل به”، فلا تعارض بين الاثنين، وكان حري بهما أن يذكرا قول أحمد هذا، لا أن يضربا عنه، وكأنه لا يصل إليه أحد، فهل رد على هذه النقطة؟ لا أبدًا، وما كان لأحمد أن يشهد لمقاتل بالعلم بالقرآن ما لم يطلع على تفسيره ولذا لما كانت هذه النقطة منغصة لهما في البحث أضربا عنها.

وفي رده عليّ في هذه المسألة قال: “المقارنة بين الكتاب والتفسير دال على التطابق بينهما، وهذا يؤكد أن الكتاب لمقاتل بن سليمان”! من أين جاءت هذه النتيجة؟ للتطابق، حسن لنسلم له جدلًا بأن في بعض الكتاب ما يطابق كلام مقاتل تمامًا بالحرف، فهذا لا يؤكد أن الكتاب لمقاتل لا سيما مع وجود الاختلاف الكبير لا مجرد التطابق، فلا ينبغي الالتفات إلى التشابه وإغفال الفروق، بل تبقى مسألة الاستفادة من تفسيره من أحمد، وهو الذي يشهد له بالعلم فيه، قال: “قد نص الإمام أحمد أنه لا يروي عن مقاتل شيئاً، وهذا أطلاق لا يملك الكاتب ولا غيره تخصيصه” وهذا خلط، فأحمد نفسه يقول: “ثلاثةٌ ليس لهَا إِسْنِاد: التفسير والملاحم والمغازي” فالتفسير يتساهل فيه بخلاف الحلال والحرام مع علمه بأن أغلب المروي في هذا لا يصح، ولذا مدح علم مقاتل بالتفسير، ولو كان التفسير هو الرواية، لما كان لمقاتل علم حيث كان ضعيفًا في الرواية.

قال: “يلزم الكاتب أن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-يستفيد عقائده من المتهمين بالمذاهب الردية” فهل بمثل هذه تقام الحجج، وكأن أحمد لا تمييز عنده بين ما يؤخذ وما يرد، ومسألة الرواية عن أهل البدع شهيرة، وهي في الحديث المرفوع فكيف بالتفسير، وقد كان الشافعي يروي عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، وهو الذي قال فيه أحمد: قدري جهمي كل بلاء فيه! فهل يعترض على هذا بأن الشافعي أخذ دينه عن جهمي؟! فهذا في الحديث فكيف بما دونه؟ ثم يقال: مقاتل بن سليمان اتهم، حسن وهل ثبتت التهمة؟ هنا السؤال لا أنه اتهم بصيغة المبني لما لم يسم فاعله.

يتبع…