رد بعد سنة، فما الذي كان! (3)
ويكمل في رده عليّ بعد تسليمه بأن الكتب قد لا يشترط لها إسناد، وقد قلت هب أن الكتاب لا إسناد له إلى الإمام أحمد، انتفض قائلًا: " يكفيك أيها النبيه أن تعلم: أن العلامة ابن القيم -وهو من حقق نسبة الكتاب للإمام أحمد-لم يزعم ما زعمه الكاتب، وأنتهى من الموضوع!" فهو يخاطب (النبيه) الذي خشي عليه من المقال ووصفه بأنه “ممن ليس له تمييز وبصر”، ولنتجاوز ذلك النبيه الذي لا يميّز! يقال: ابن القيم يسلّم بأن إثبات الكتب لا يشترط له إسناد في كل كتاب، فلم يكن هناك اختراع مسألة فاتت الرجل في هذا، وكونه لم يحتج بهذا، لا يعني أنه نفى أن ذلك حجة!
والطريف أنه يستبشع أن يذكر أحد مسألة لم يذكرها ابن القيم، أما أن تصدّق أن الكتاب مختلق على أحمد، ثم يتتابع الحنابلة على إثبات ما فيه إلى أحمد، ما بين مصرّح وساكت عن التصريح في أحسن الأحوال، ولا تجده منكرًا لما في الكتاب، رغم الخلاف بينهم، واحتجاج بعضهم على بعض، فتجد ابن عقيل على ما وقع فيه من مخالفة حتى استتابه الحنابلة تخيل، ثم مع ذلك يسلّم بالكتاب، ويستشهد ببعض ما فيه، ورغم ما وقع لابن الجوزي من منافرة لبعض الحنابلة ورميه لهم بالتجسيم والتشبيه ثم مع ذلك لا يتعرض لنفي الكتاب، وهو كثير الاعتناء بكتب ابن عقيل.
ولو قيل له من الحنبلي الذي نفى نسبة هذا الكتاب إليه منهم، وفي أي طبقة هو، وما مستواه المعرفي؟ لعله يجرؤ على القول بأنه هو وصاحبه! وهكذا أن تذكر مسألة لم يذكرها ابن القيم في موضع مع أنه يسلم بها في غير موضع، شنيع بنظره، يحتاج إلى التوقف، لكن عليك أن تصدّق بأن الحنابلة تتابعوا على الوهم حتى جاء محققهم هذا وصاحبه يرددان كلام الكوثري، الذي نفى تلك النسبة قبلهما، والطريف أن المؤلفين زعما أن الكتاب لمقاتل بن سليمان، بلا إسناد من الكتاب إليه، ولا حتى شهرة تقتضي أن هذا الكتاب عين ما قاله مقاتل، بل لا يظهر في الكتاب أساسًا أنه لمقاتل، لكن عليك ان تتثبت من الإسناد في واحدة وتسيل النقول والاقتباسات في غير موضع النزاع، ثم تنسبه لمقاتل بأي طريق! إنه سلوك المغرمين بالحشو، إلى الحد الذي دفع المؤلفين ليترجما لأحمد بن حنبل في كتابهما (العلمي) ويعقدا فصلًا، فيه: “ما رؤي لأحمد بن حنبل من الرؤيا في حياته وبعد مماته”! إنه التسابق في الحشو حتى يقال سودنا عددًا من الصفحات.
يتبع…