محمد عبد الواحد المتحنبل وهو يخاصم المذهب الذي ينتسب إليه! (٤)
خلال سنة تقريبًا من وصول ذلك الكتاب، جرى امتحان ابن تيمية كغيره من الحنابلة ومن وافقهم بذلك الكتاب الذي يتلخص في نفي الحرف والصوت عن كلام الله، ونفي العلو الحسي، من قضاة ومفتين وأمراء.
ولم يتقبل ابن تيمية فكرة اعتزاله في البيت كالعز بن عبد السلام قائلًا: هذا من نعم الله عليّ، العز الذي لم يعتقل، ولم يرمَ في الجُب بين الظلام والرطوبة، بل رأى ابن تيمية أنه يتعين عليه البيان وخصوصًا في مسألة الأسماء والصفات، وشخصية ابن تيمية لم تكن تحرص على الشكاية، ووصف تفاصيل ما وقع عليه، مع ذلك فقد وقع في كلامه شيء قليل يعطي صورة مصغّرة عما تعرض له، يمكن من خلالها تخيل ما سكت عنه، قال ابن تيمية:
“فيا ليت حبسنا كان من جنس حبس النصارى، ويا ليتنا سوينا بالمشركين، وعباد الأوثان! بل لأولئك الكرامة ولنا الهوان” (مجموع الفتاوى، ج3، ص254)
ومع ذلك فقد نقد ابن تيمية ذلك الكتاب في كتابه (التسعينية) وحاول مرارًا تجنب الصدام الآني، وهو الذي يرى أن المسألة تحتاج مشروعًا كبيرًا، حتى جاء عام ٧٠٧هـ، فأكره على توقيع الكتاب الذي ماطلة سنة، فقد كان السيف ثمن الرفض.
وبقي بعد ذلك ٢٠ سنة يكتب ويرد عليهم، فيأتي محمد عبد الواحد المتحنبل ليفرح بذلك الكتاب، محتجًا بقاضٍ يجهل معتقده كما قاله من قاله من غير الحنابلة كابن حجر العسقلاني، ليقول شهد حنبلي عليه!
الكتاب الموقع فيه بالحرف: “القرآن معنى قائم بذات الله … وليس بحرف ولا صوت” وهو قول الأشعرية، فما هو قول هذا المتحنبل في الكلام؟ يقول: “مذهب الحنابلة بالحرف والصوت القديم”!
بمعنى: إن القاضي (الحنبلي) الذي يحتج بشهادته خالف مذهب الحنابلة باعترافه، فلا قيمة لكلامه والكتاب في نفي الصوت والحرف، وكون الحرف والصوت قديمًا أو محدثًا فرع لم يكن يهم الأشاعرة الممتحنين للحنابلة حينها، فقد كان كتابهم يقضي بنفي الحرف والصوت رأسًا.
فهذا يري عينة من أحفاد القاضي شرف الدين الحراني وأمثاله، ممن سمعوا بعزل القاضي الحنفي الذي برأ ساحة ابن تيمية، فضنوا بمراتبهم ومرتباتهم، فكان منصبهم أعز عليهم من معتقدهم، أو في أحسن الأحوال أنهم جهلوا معتقد الحنابلة.
وفرح الأشعرية بورقة أملوها على رجل في حال إكراه، سبق أن نقدها بثلاث مجلدات (التسعينية) يري أي مستوى وصلوا إليه، ويذكرهم التاريخ بمصانعة أبي الحسن الأشعري للحنابلة حتى كان يقول بأنه على معتقد أحمد بن حنبل، حتى إن الكوثري كما في تحقيقه على (بيان كذب المفتري) يقول بأن الأشعري كتب (الإبانة) مداراة للبربهاري! فانظر الفرق بين من لا يخالف معتقده إلا في إكراه يجوز فيه حتى الكفر الصريح للمطمئن قلبه بالإيمان، وبين من يجعل من العقائد مطية يدارى فيها دون سجن ولا قيد ولا ضرب، بل ليقال بأنه رأس فيها.
ودمتم بخير