محمد عبد الواحد المتحنبل وهو يخاصم المذهب الذي ينتسب إليه! (٣)

كانت الأشعرية وقت ابن تيمية هم السلطة، وجرى تحسسهم من أي قول يخالف مذهبهم، على سبيل المثال: “قرأ المزي [وليس حنبليًا] فصلًا من كتاب خلق أفعال العباد للبخاري فسمعه بعض الشافعية [من الأشعرية] فغضب، وقالوا نحن المقصودون بهذا ورفعوه إلى القاضي الشافعي فأمر بحبسه”.

يقول ابن حجر: “الأمر اشتد بمصر على الحنابلة حتى صُفع بعضهم” وفي دمشق كان القاضي المالكي الذي رفع له أمر ابن تيمية يقول: “قد ثبت كفره” ووضع ابن تيمية في الجُبّ عقوبة له، ونودي في دمشق “من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله خصوصًا الحنابلة”.

لقد تم جمع الحنابلة من الصالحية وغيرها وجعلوهم يتنكرون لمعتقداتهم لصالح معتقد الأشعرية في ذلك الوقت وإلا فما لهم إلا السيف.

وفي مصر “قام القاضي زين الدين بن مخلوف وبالغ في أذية الحنابلة” ويقول ابن حجر: “اتفق أن قاضي الحنابلة شرف الدين الحراني كان قليل البضاعة في العلم فبادر إلى إجابتهم في المعتقد واستكتبوا خطه” لقد كان مجرد صورة، لشرعية اضطهاد الحنابلة، مع أنه قليل العلم والمعرفة، وموقعه لم يكن إلا موضعًا رسميّا فحسب، ولما يقال فلان قاض لا يعني هذا أكثر من منصب رسمي.

وكل قاضٍ كان يخالف ما تريده السلطة الأشعرية كان يُعزل، على سبيل المثال قاضي الحنفية بدمشق ابن الحريري انتصر لابن تيمية فبلغ ذلك ابن مخلوف فسعى في عزله فعُزل.

أما بخصوص كتاب الاستتابة فقد كان يوزع من السلطة الأشعرية على الحنابلة ووصل إلى ابن تيمية، وقد ذكره ابن تيمية نفسه فقال: “في آخر شهر رمضان سنة ست وسبعمائة جاء أميران رسولين من عند الملأ المجتمعين من الأمراء والقضاة ومن معهم” وهذا نص ما قالوه:

“الذي يطلب منه أن يعتقده: أن ينفي الجهة عن الله والتحيز، وأن لا يقول إن كلام الله حرف وصوت قائم به، بل هو معنى قائم بذاته، وأنه -سبحانه- لا يشار إليه بالأصابع إشارة حسية، ويطلب منه أنه لا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام، ولا يكتب بها إلى البلاد ولا في الفتاوى المتعلقة بها”.

يتبع..