محمد عبد الواحد المتحنبل وهو يخاصم المذهب الذي ينتسب إليه! (٢)
المهم كان قدوم الملك الكامل فيه سيادة كاملة للمذهب الأشعري، وتمكينًا للعز بن عبد السلام، وكان إسماعيل ينوب عن الملك الأشرف حين كان “الْأَشْرَف بعد فِي الْحَيَاة ثمَّ اسْتَقل بِالْملكِ بعده وَكَانَ أعظم مِنْهُ فِي اعْتِقَاد الْحَرْف وَالصَّوْت وَفِي اعْتِقَاده فِي مَشَايِخ الْحَنَابِلَة ثمَّ لم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى قدم السُّلْطَان الْملك الْكَامِل من الديار المصرية بعساكره وجحافله وجيوشه إِلَى دمشق وحاصر أَخَاهُ إِسْمَاعِيل بِدِمَشْق يَسِيرا ثمَّ اصْطلحَ مَعَه وَحضر الشَّيْخ عِنْد السُّلْطَان الْملك الْكَامِل فَأكْرمه غَايَة الْإِكْرَام وَأَجْلسهُ على تكرمته والصالح إِسْمَاعِيل يُشَاهد ذَلِك”
بعد هذه الواقعة كسرت سطوة الحنابلة، وارتفعت راية الأشعرية، فكانت إثارة مسألة الحرف والصوت فضلًا عن كونها موقفًا دينيًا يخالف السلطة الدينية الأشعرية التي أضحت رسمية، فقد كان فيها موقفًا معاديًا للسلطة الزمنية للمنتصرين حينها الكاسبين شرعيتهم من الموقف من الأشعرية.
بعد هذا كان اعتقاد الحنابلة متوارثًا في الكتب، وهي التي نشأ عليها ابن تيمية وصحيحٌ أنه كان قادريًا فترة إلا أن عبد القادر الجيلاني من الحنابلة المتصوفة وهو من مثبتي العلو والحرف والصوت، تربى ابن تيمية في هذه البيئة التي احتضنت كتب محقق المذهب ابن قدامة، الذي له كتاب (الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم) وكان يسمي الأشعرية بالمبتدعة، وله رسالة في مناظرتهم، والرد عليهم.
كان إثبات الحرف والصوت ميزة (كلاسيكية) في الحنابلة وعلامة فارقة بينهم وبين الأشعرية، مهما اقترب الحنبلي من الأشاعرة كانت هذه المسألة محل رد منه على الأشعرية وعلى سبيل المثال ابن عقيل له رسالة (الرد على الأشاعرة العزال وإثبات الحرف والصوت في كلام الكبير المتعال) قال فيها: “قد خالفت الأشاعرة كتاب الله، وسنة رسوله، وإجماع الفقهاء، وأهل اللغة، فافهموا ذلك وتدبروه، واحذروا بدعتهم وضلالتهم، تسلموا من خدعهم ، وأخبروا المسلمين مقالتهم واعتقادهم الفاسد”، وكذلك ابن الجوزي ونحوهما وهما الأقرب من الحنابلة للأشعرية لكن هذه المسألة كانت علامة فارقة.
نرجع لابن تيمية فما أن كان في مقالاته إثبات الحرف والصوت وأمثال هذا حتى جابه جيشًا هائلًا ممن استقر عندهم الأمر، ووطدوا سلطتهم ونفوذهم بناءً على القول المخالف، فكان متوقعًا ما الذي سيجري عليه، ستستعر النفوس للقضاء على هذه المقالة، ويجري سحق المخالف فيها فتكاثرت الوقائع، وازدحم القضاة، ليس ضد ابن تيمية فحسب بل الحنابلة عمومًا إلا من تنكر لحنبليته وساير السلطة الحاكمة.
يتبع …