لن نختلف…
لو جربت في يوم من الأيام أن تعمل أجيرًا عند صاحب عمل، وسألته: كم ستعطيني، قد ينظر إليك باستغراب، مع أن الأمر لا يدعو لأية غرابة، فهو نفسه يعلم ما الذي ستقدمه له، كم ساعة ستعمل، أي ساعة ستصل عنده، فأي غرابة في قولك وماذا سيكون لي؟ ويجيبك: توكل على الله؛ ولن نختلف!
أنت في هذه اللحظة تحديدًا بقليل من الحصافة، ستقول: ليس لكلامه أي معنى سوى أننا سنختلف، ولن تأخذ حقك، إلا في حالة نادرة جدًا من هذا العموم، بافتراض أنه خلوق جدًا وورع جدًا، لكن عفوًا، هو لم يعتمد على ورعك وأخلاقياتك، بل حدد لك المطلوب، فحتى على هذه القسمة أنت مغبون، كونك ستتأمل في ورعه، ما لم يكله من الأساس إلى ورعك.
هذا مستوعب في عمل يوم، لكنه صعب على كثيرين في عمل سنوات، هو سهل في سلطة عليك وحدك لكنه صعب على الأفهام حين يتعلق بالجموع، هنا يحضرني كلمة لنيتشه مفادها: أننا نظن أن رأي الغالبية أصوب من الفرد، كون الجنون أقرب إلى الواحد منه إلى مجموع كبير، مع أن الواقع خلاف هذا بأن حالات الجنون الجماعية التي توصل إلى كوارث هي ألصق بالأكثرية! هي القاعدة وجنون الأفراد هو الاستثناء.
نعود للموضوع، في العمل السياسي والاجتماعي ومنه الدعوي تعمدت جماعات كثيرة أن تتحدث عن ماذا ينبغي للعضو أن يقوم فيه: ثقة، ولاء، طاعة، إخلاص، امتثال، وشرح مبادئها: تسعى مثلا لإعمار الأرض، أو أستاذية العالم، أو رد المبتدعة إلى السنة، لكن ماذا ستقدم هذه الجماعة للفرد المنضوي فيها؟ لن نختلف.
هنا لا أبرئ العناصر أيضًا، فلما تعاملوا مع أنفسهم كأطفال، كان ذلك هو المتوقع، أن تحتاج سلطة أبوية تقول لك افعل كذا أو لا تفعل، مقابل إعطائك شعورَ الأسرة الكبيرة، والانتماء لمن يحبك ويودك، لكن كبالغين هل يمكن أن تفتح مشروعًا اقتصاديًا بناء على هذا؟ حتمًا لا، أنت لا يمكنك أن تستيقظ باكرًا للعمل يوميًا مقابل مشاعر العطف الأبوي، سيكون هذا على حسابك وبضعة أيام كفيلة لجعلك تقول: كفى! هذا يضرني.
العمل التطوعي قد تعطيه شيئًا من وقتك، لكن لن يكون عملك كله تطوعيًا وتضيع نفسك في خضم هذا فهناك واجبات عليك من إبقاء نفسك حيًا حتى باقي مسؤولياتك، ولذا تسائل نفسك كأي إنسان عادي ماذا سيقدمون لي.
التفكير كالإنسان العادي مهم في مثل هذه الحالات، لأنه كثيرًا ما يكون أقرب إلى الفطرة، التي تسحقها عواطف الإيدلوجيا في التجمعات، والتي تعدي الأفراد بمواقفها، على حساب طمس الحس النقدي فيهم.