المتجر الذي يبيع أي شيء ليسدد ديونه
في القرن العشرين تكاثرت الثورات، ثورة في روسيا أخرى في الصين كذلك في كوبا، فضلًا عن حركات التحرر الوطني ونحو هذا، كانت الأنظمة الملكية يخفت بريقها، ويتم القصاء عليها أو في أحسن الأحوال تتقلص سلطاتها.
ونشأت نماذج جديدة من القادة، ضباط صغار سابقون يصلون إلى الحكم مثل هتلر، وشخصيات شعبية ليس لها وزن في الجيش ولا دخلت الجامعات مثل ستالين، نماذج ستتكرر مرارًا، في خطاباتها وسلوكها.
كانت السلطة الملكية قد أضحت مثالًا للطغيان والإفلاس، وفقدانها أية برامج لتنقذ البلاد، ولكن بقي الإشكال حاضرًا في منح السلطات المطلقة، للسلطات الجديدة، التي قد تعلن دستورًا، ستالين مثلًا أصدر دستورًا ١٩٣٦ ولكن هل غيّر هذا من كونه صاحب السلطة المطلقة في حينه؟
السلطة المطلقة لم تكن نتائجها مختلفة كثيرًا، في التعامل مع المعارض، أو حتى الموافق مهما رفعت التسميات، وطنية كانت أو أممية، لحاكم أو للشعب، وكما كانت الأنظمة الملكية تخوف الشعب من الفوضى التي قد تجلبها الثورات، كانت الأنظمة الجديدة تخوف الشعب من العودة إلى عهد الأنظمة القديمة.
وواحدة من أهم العوامل التي منعت العديدين من الاستفادة من التجارب المختلفة أن تخاطب الجموع وكأنهم حالة متميزة مختلفة عن باقي الناس في التاريخ، في حالتنا العربية والإسلامية مثلًا تصوير أن الناس لإسلامهم كأنهم ليسوا خاضعين لأي قانون خارج أنفسهم.
وما أن تتسارع الأحداث حتى تجد أن السنن لا تحابي أحدًا، وأن السلطات المطلقة نتائجها متكررة متى منحت لقومي أو إسلامي، حتى لو غيرت ألف مرة الشعارات أو التسميات، فأي علوم سياسية تبقى متى خشيت حكم العسكر، لكن بالوقت نفسه ترحب بحكم مقاتلين تحت تسمية (مجاهدين) إنه حكم عسكري غير متوقع منه غير ما للعساكر من حكم، مهما سميت تصرفاتهم بتأويل، أو أخطاء ثانوية ونحو هذا.
السلطات المطلقة تمنح بالقسم الذي قد يصل إلى الدم لقائد مهما كان، نتائجها متشابهة، بل حتى إن منحتها للشعب فأنت أمام الآلاف بل بعدد الشعب ممن قد يظن بنفسه الأهلية لإصدار الأحكام الأصلح وتنفيذها، مهما كانت التسميات، سواء وطنية أو دينية فكم من عامي تصدر القضاء في الدماء، هو صورة أخرى لذلك الوطني الذي وزع أحكام الخيانة، لذا تجد الحرص على استقلال القضاء في الأنظمة الديمقراطية المعاصرة حتى لا تتكرر قصة سقراط.
وكما أن الأنظمة قد تفلس فتصبح كمتجر يبيع أي شيء ليبقي على وجوده، كذلك السلطات البديلة تحت أي تسمية من ثورة وحزب، فالحزب قد يتخلى عن أبنائه بل الثورة قد تأكل أبناءها، وكما في الإرستقراطية كان هناك سادة وعامة، فهذا قد ينخر أي ثورة فتجد متنعمًا بين الفنادق باسمها، وبين قتيل قضي عليه بهذا ليتم تمجيده حتى يدفع الفندقي تكلفة نزله الشهر القادم وهكذا.
مفتاح تقييد السلطات كان عدم الثقة، أو قل ثقة دبلماسية يمكن أن تقولها في مجلس، لا أن تحتم عليك العمى في عدم مساءلة والسير كالأعمى في ركب قوم يتحكمون بالعباد والبلاد، بحجة أنك تثق فيهم أو في تصريحاتهم التي غالبًا ما تكون مجملة مبهمة، أو كذبًا صريحًا بحجة مصلحة أي شيء.