وجهم حاور السمنية يومًا …

جهم بن صفوان لعله أول متكلم متسق مع نفسه غاية الاتساق، بل موقعه في الترث الإسلامي كموقع أفلاطون في الفلسفة اليونانية دون مبالغة، حاور قومًا من الملحدين منكري الصانع يقال لهم السمنية.

هل يوجد أي دافع ديني وأخلاقي لتقف مع جهم وتتمنى أن يفحم السمنية وفق أطروحاته العقدية؟ أم هل الأمانة الفكرية تحتم عليك أن تقول ما تقوله السمنية سفسطة وما يقوله جهم هو المنطق والعقليات الصحيحة؟

لما كان جهم يدعو لإثبات الإله كان لا يدعوه شيئًا، كان ذلك اللا شيء لا يشار إليه لا يحُس ولا يتكلم، لا يُسمع ولا يمكن أن يُرى، هذا اللا شيء بهذه الصفات أقرب لإله البراهمة، منه إلى إله المسلمين.

تمسكت السمنية بأصلها بأن ما لا يقبل الحس لا يمكن أن نحكم بوجوده غير الذهني، بعبارة أخرى: ما تقوله يا جهم موجود في ذهنك لا في الواقع، ومع ذلك كان جهم يزعم أن ما يقوله هو (التوحيد).

لا زال يؤرق أحفاد جهم كلما كرروا مناظراتهم، ليثبتوا ذلك اللا شيء، بعد أن اضطروا لتسميته شيئًا مع زعمهم بأنه لا في العالم ولا خارجه، ليثبتوا ذلك (المثال) القريب من تصور أفلاطون عن مثال المثل، ذلك الموقف التيمي الصريح: ما قاله السمنية هو الذي عليه أهل الإثبات، وأما أطروحة جهم فلا شاهد لها من الكتاب ولا السنة وبالتالي لا تمثل الإسلام أصلًا.

مهما تحذلق الجهمي وسمى أدلته، مهما قسم الوجود ونوّع، مهما أحيا من مومياءات المنطق الأرسطي، هو يريد أن يصل إلى ذلك اللا شيء، الذي لا يشار إليه لا في العالم ولا خارجه، الذي كان أول المنكرين له كبار أهل الإسلام، فنحن هنا أمام صراع يمكن اعتباره (خلافًا عائليًا) لو ذهبت الرسوم، ولم نبق حبيسي العبارات، وإنما صرح واحد وآخر سمى ما يدعيه إثباتًا.