هيوم… في أن تكون ملحدًا دون أن تدري/محاولة تقريب.

هيوم فيلسوف يتميز بعياراته الرشيقة، السهلة ليس مثل كانط من بعده، في عصره كان من الصعب الحديث المباشر في نقد الدين، فكان الفلاسفة يلجأون إلى طريقة المحاورات، يضع أكثر من شخصية تتنافس في الموضوع، مع ميله لواحد منها.

وكانت محاوراته ملهمة لكانط، وكان سؤاله ما معنى أن تؤمن بالله، يسأل هيوم عن طبيعة هذا الإله، هل يمكن للإنسان المؤمن أن يحدد ما هي طبيعة الإله الذي يؤمن به، هنا تجيب إحدى الشخصيات: لا يمكن هذا عن طريق العقل لأن الله فوق قدراتنا العقلية إنما نؤمن بما ورد له من أسماء دون أن نتطفل بعقولنا وراء ذلك.

لكن هيوم لا يرتضي هذا، ليتساءل وهذه الأسماء هل هي مجرد ألفاظ أم لها معاني؟ إن كانت مجرد ألفاظ فلا فائدة منها: أنت يمكنك أن تطلق ما تشاء من الألفاظ على العدم مثلًا ولا يجعله هذا موجودًا.

أما المعاني فنحن لا ندرك أي معنى إلا ما هو موجود في عالمنا، خذ مثالًا: النار، أنت لا يمكن أن تفهم معناها إلا بما تعرفه من نيران هذا العالم، فلو قيل لك نار لا تشبه أدنى شبه أي نار ماذا ستكون: مجرد لفظ فارغ من أي معنى، بل يصح وقتها أن تقول هي ليست نارًا ويكون هذا صحيحًا.

إن هذا القسم من الذين يسلمون بوجود إله دون أن يحددوا طبيعته، ويطلقون عليه أسماء وصفات مع قولهم إنه لا يمكن تصوره ولا تخيله، ولا يشبه حتى تلك المعاني المعهودة من الأسماء كونها محصورة في العالم المادي، يسميهم هيوم: ملحدون من غير وعي منهم!

ما معنى أن تثبت شيئًا لا تعرف طبيعته، وأي كلام عنه سيكون فارغًا لعدم تطابق ما تقوله عليه، هو على هذا الزعم شيء مختلف عن كل الأشياء بحيث لا يمكن أن تصفه بأي وصف يطلق على الأشياء، أي هو خارج المنطق، ولذا ماذا يمكن للملحد أن يقول غير هذا: أنه لا يمكن الحديث عن الإله بأي لغة، ولا إثباته بأي عقل.

لذا يرى هيوم ضرورة انحصار العقل في البحث في العالم المادي، أما تلك الأبحاث التي تسمى بالإلهيات فهي مضيعة للوقت حتى إنه يقترح بحرق أي كتاب يتحدث فيها كونها مضرة بالعقول، وتجعلها تبحث فيما ليس من طاقتها ولا قدرتها، والحل الأمثل بنظره هو اللا أدرية، بعد تحييد العقل عن البحث فيها.