من أنت لتتكلم في الكبار؟

تتكرر كل مرة حجة لم تطوّر من محتواها، رغم ما اعتراها من امتحانات التاريخ، ما الهدف من نقدكم، ماذا قدمتم أمام قوم يعملون للإسلام، وسجنوا وسحلوا وفعل بهم، ونحو ذلك، بداية لا يلزم من شأن المعظمين عندك أن يكونوا كذلك عند غيرك، وبعض الجماعات لا ترفض العمل الديمقراطي، بمعنى لا مشكلة عندها أن تعترف بشرعية أي كان مهما كان دينه ومعتقده متى نجح في عملية الانتخاب، ويستميت أنصارها لتسويغ هذا لهم، لكن لما تخالفهم يسل لك الواحد منهم سيف التكفير المبطن.

ليقول: إنهم العاملون للإسلام= وكأن غيرهم لا يعمل للإسلام، أو لا يعنيه أمره، وتبدأ المزايدة بكشف حسابات أعمال، مشتركة، يعني مثلًا هو نفسه يستنكر الإرهاب، مع أن الذين يستنكر عليهم أيضًا عملوا إلى حد الموت دون اعتقاداتهم، وكأن العمل يُنجي صاحبه من المراجعة، إنك تخاصم الحركة الإسلامية، وفي الواقع هو يقصد جماعة معينة لها تصوراتها وتحالفاتها ومصالحها، وأهدافها، وهذا عقلية مشتركة يمكن أن تجدها في مصر، ويمكن أن تجدها في إيران، ويمكن أن تجدها في أي منطقة ويقدر أن يقولها أي كان.

ثم تعرفون قصة سهيل بن عمرو لما جلس مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، وقال له لو شهدت أنك رسول الله ما قاتلتك، اكتب هذا ما تصالح عليه محمد بن عبد الله، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى أنه لم يتعامل مع رسالته على أنها بديهة لا يمكن أن يوجد من يشكك فيها، فكيف بمن دونه؟ فكيف بقوم يقع الخلاف معهم في أفكارهم وأطروحاتهم وليس لهم عصمة، ولا يلزم على كل مسلم أن يعتقد مكانتهم إلا على قوم يحاولون مضاهاة الإمامية بأن على كل مسلم أن يعتقد بإمامة سلسلة معينة من الناس، ومن خالفها فعليه اللعنة، ولينتظر الجحيم، وحتى الإمامية فأئمتهم محصورون، ولما قال الخميني بولاية الفقيه وقع خلاف بينهم على القول بها، فلما يجري النقد لشخص معين أو حزب، لا يلزم أن يكون رموزه محترمين عندك، وقد يقول الناقد لو كنت تابعًا له معتقدًا بصواب نهجه ما نقدته، ولابد أن يمتلك المخالف مرونة فكرية لتقبل هذا.

إذا كانت الفرق الكلامية فيها من تعامل مع وجود الله بأن إثباته نظري لا ضروري، أي: إنه يحتاج إلى استدلال وإعمال فكر، هذا مع وجود الله، فكيف مع شرعية حزب؟ أو شخصية من القرن العشرين تقول عنها إنها عظيمة أو هو إمام، هذا عندك لك ذلك، لكن لا يوجد ما يسوغ افتراضك اعتقاد العالمين لهذا، أو اعتقاد المسلمين كلهم بهذا، أو تشكك بدينهم لأجل مخالفة اعتقادك بشخص، أو حزب أو جماعة.

الخصم قد لا يسلم أن مخالفه يعمل عملًا صائبًا سياسيًا أو فكريًا، أو أن فعله يجوز شرعًا حتى يصح أن ترفع شعارًا في وجهه بأنه يعمل للإسلام، لحجب نقده وثني الناقد، فإن قيل لكنه يعمل وتكثر أخطاؤه، فيقال: وهذا أدعى للنقد لا لكتمه، فإن قيل: هناك أولويات، قيل: فلتكن في عدم مجاراتك النقد، والاعتراض عليه، بالمختصر، الشعارات الجوفاء لا تقال أمام كل أحد، فإن كان في رأسك حمية، فلتوجهها تجاه من يسحلك كما تقول، ومن يفعل بك، لا إلى من نقدك، إن كان السحل حجة لإسكات النقد، فليكن لعدم ردك عليه ولا تعقيبك.

بقيت الكلمة الشهيرة التي هي: لا يفتي قاعد لمجاهد، هذه ليست قاعدة شرعية أصلًا، وقد سبق أن تعرضت لها في كتاب (ماذا قيل يومًا في أفغانستان) وبيان أول من صاغها في القرن العشرين، الطريف أن بعضهم يعتبر بعض من يجلس على كرسي الرئاسة مجاهدًا، لكن يعيّر غيره بأنه قاعد، لأنه لم يصرخ في مهرجان ببطولاته، على أي حال حتى على هذه القناعة، فالحزب لا يطالب الأفراد بفعل ما يفعله إلا فقد مسوغاته كحزب، فضلًا عن أن الفشل في مقياس الأحزاب ليس هو كالأفراد، خلاصة الأمر يجب أن يكون هناك مزيد من المرونة الفكرية، والحمية لا تسوغ الانفجارات العاطفية.