كلمة حول الإجماع المنقول عن الصحابة في كفر تارك الصلاة
مسألة حكم تارك الصلاة تكاسلًا من المسائل المختلف فيها بين العلماء، فلا ينبغي المسارعة بالقطع فيها، ورأيت من يقول بأن القول بكفر تاركها كسلًا هو قول السلف الصالح، ومن المعلوم أن الإجماع دليل شرعي، وثبوت الإجماع يكون قطعيًا، وقد يكون ظنيًا، وأشهر من نقل عنه هذا عبد الله بن شقيق وهو تابعي: قال: لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
هذا الكلام المنقول هو رأي عبد الله بن شقيق، المبني على استقرائه هو فيما بلغه وعلمه، وكلامه منخرم التعميم يقول ابن رجب: “رُوي عن عمر فيمن تمكَّن مِنَ الحجِّ ولم يحجَّ أنَّهم ليسوا بمسلمين، والظَّاهرُ أنّه كان يعتقد كفرَهم”.
فقد روي عن السلف من كفر بترك المباني الأربعة: الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، وفيها خلاف شهير، والمثبت حجة على النافي، كما هو معلوم، فهو يقول لم يكن يقول بهذا أحد من الصحابة، مع أن غيره يثبت القول عنهم في غير الصلاة، ولما ثبت انخرام تعميمه مرة تضعف الثقة بتعميمه الآخر. فالتعميم هذا من رأي عبد الله بن شقيق، ويعارضه تعميم آخر، وهو مما استدل به ابن قدامة على عدم تكفير تارك الصلاة، حيث قال:
“إجماع المسلمين، فإنا لا نعلم في عصر من الأعصار أحدًا من تاركي الصلاة ترك تغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته ميراثه، ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فرق بين زوجين لترك الصلاة من أحدهما، مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافرًا لثبتت هذه الأحكام كلها”
ولا يقال هذا استدلال بعدم العلم، فمستنده لو كان هذا حاصلًا للتزموا أحكامه، ولنقل منها شيئ، فلما لم ينقلوا انقلب ما ادعوه من الاجماع اجماعًا مضادًا لقولهم، وكيفما كان فالمسألة خلافية، إنما نبهت على تجاذب الأنظار فيها، حتى لا يقطع البعض في غير موضع القطع، ولكي لا ينطق بالتبديع في غير مواضعه.