عن الأزهر … (3)
ومع عملية الإصلاح للجمود الأزهري كانت شخصية مثل جمال الدين الأفغاني قد تصادمت مع شخصيات أزهرية وقتها، بحجة أنه ينصر بعض مقالات المعتزلة، وقال الأفغاني وقتها بأنه ينصر القول بدليله دون تعصب منه لطائفة، وفي بعض الكتابات الدعائية حصل الافتخار بدور جمال الدين الأفغاني في أروقة الأزهر، وهذا يعطيني تصورًا نقديًا عن الرسالة التي يتحدث بعض الناس اليوم عنها للأزهر بأنه أشعري ماتريدي بأنها غير دقيقة، فالأزهر لم يكن يحمل هذه الرسالة يومًا ما، إنما كانت تتبع المرحلة، والظرف الحاكم، والشيخ نفسه الذي في المشيخة، أو الرواق ونحو هذا.
ويلفتنا هنا عدد الحنابلة في الأزهر في عام 1320هـ، كانوا 25 طالبًا تقريبًا بين أكثر من 12 ألف طالب، في امتحانات سنوية لـ 6 غير مضمونة النجاح، فحكاية أن حنبليًا أزهريًا مثلًا كان يتلقى العلم عن عالم، والعالم عمن سبقه، مجرد أسطورة خرافية، وبالمناسبة كانت الامتحانات لا تحوي أي أستاذ للفقه الحنبلي، وتم إضافته في مرحلة متأخرة، من باب التجديد والإصلاح.
لما نقرأ عن موقف الأزهر في العهود السابقة لا يظهر له أي سلطة فعالة وحقيقية، بل نتحدث عن تدخل الولاة للفض بين عراك أنصار المشايخ المتصارعين على المشيخة، وخلافة الشيخ المتوفى، وهم من يقولون لفلان أنت الشيخ الآن، وأنت اجلس في بيتك، ويزورون الملك، ويلقون عليه موعظة كان متفقًا عليه في إطار من الأعراف الارستقراطية، فنتحدث عن مؤسسة محافظة تتبع السلطة الحاكمة في العصور السابقة، فلما كانت السلطة إسماعيلية كان الأزهر إسماعيليًا، ثم لما صار شافعيًا، كان الشافعية هم حكامه، فمتى جاء الأتراك سيبدأ الأحناف بالتصدر وهكذا.
واللافت بالأمر أن الفقه الإسماعيلي لم يمنع تدريسه في الأزهر أصلًا، بل كان لهم رواق، وبقيت الجراية عليه حتى القرن 20، حتى بلغت 6 أرغفة، حيث لم يتجه لدراسته أحد فانقرض، وهكذا فإن عامل السلطة، وعامل العمل بعد التخرج كان الدور الأكبر في تحديد هويات الطلبة الذين يدرسون فيه، وأعدادهم، لا رسالة الأزهر إلى آخر الكلام الدعائي.