عن الأزهر… (١)
كل دعاية عدوها التاريخ، لا من حيث تكذيبها، بل من حيث معرفة ما أخفته، ووضع الجانب المشرق منها في حجمه، لترى الصورة كاملة، وبمطالعة عدد من الكتب في تاريخ الأزهر من أنصاره ومنتقديه يظهر ما لا تريد الدعاية الرسمية تصويره.
بداية تاريخ الأزهر لا يجب قراءته بما تمت إشاعته عنه بصورة متأخرة عبر الدعاية له، نشأ كمسجد تابع للفاطميين الإسماعيليين، الذين لا تتفق عقائدهم مع أهل السنة ولا حتى مع الشيعة الإمامية الاثني عشرية والزيدية، وأول كتاب درّس فيه كان الاقتصار للقاضي النعمان في الفقه، وهو هزيل مقارنة بكتب الفقه التي كانت قبله ككتب الشافعي.
كان المسجد ليس بذلك التأثير الكبير، لكن يمكن القول بأن الدعوة الإسماعيلية بتراتبيتها الطبيقية أثرت فيمن بعدها، بصورة بث الدعاة، أو حتى استحداث بعض الوظائف مثل (المأذون) وهي مرتبة إسماعيلية بامتياز، فعقد الزواج لا يشترط له مأذونًا كما هو معلوم في الفقه.
بعد سيطرة صلاح الدين وإقصاء الفاطميين تحول الأزهر وفق السلطة الحاكمة، للمذهب الشافعي ومع ذلك لم يكن المسجد بتلك الشهرة حتى أن صلاة الجمعة لم تقم فيه ١٠٠ سنة، وكانت المدارس حوله هي محل الصدارة ويدرّس بها المشهورون من العلماء كالسيوطي والبلقيني، وكانت مدرسة مثل الصالحية تدرس المذاهب الأربعة قبل الأزهر الذي كان شافعيًا فحسب.
ومع عهد العثمانيين صار للأزهر شيخ، وكانت الخصومات كثيرة حول من يستلم مشيخته هل هم الشافعية أو غيرهم، ووصل الأمر أحيانًا إلى إطلاق النار داخله، والقتل على خلفية صراع النفوذ، وكان الباشاوات يتحالفون مع كل رواق، والأروقة تتقاتل فيما بينها على النفوذ والسلطة.