الدين سبب التخلف العربي!
قرأت مقالًا حظي بالتصفيق من أنصار الوجبات السريعة المنعكسة على طريقتهم في التفكير، حاصله أن الدين سبب التخلف العربي، وأن المسلمين لم يتأخروا بقدر تقدم أوروبة وذلك بعد إزاحتها للدين عن الحياة اليومية لصالح الرأسمالية وتراكم الثروة، وأن الإسلاميين لا توجد في قاموسهم هذه المفاهيم.
هذا مختصر سطور محشوة تسطح موضوعًا كبيرًا تعاقبت فيه قرون في صياغته لصالح وصفة سحرية قوامها ترك الدين والبدأ بحركة رأسمالية تضمن التقدم، والازدهار، بحجة أنه ناقش بعض الإسلاميين الذين لم يجد عندهم سوى ترديد مقالة أن المسلمين كانوا في زمن متقدمين، وكأن نقاشك لشريحة معينة من ناشطي الفيسبوك كافية، أو لزميلين في عمل تجعلك عالم اجتماع، وفيلسوفًا للتاريخ.
هذا الطرح الذي ينتشر بين سواد الممتعضين من تجارب الإسلاميين السياسية، ولا اعتراض على مجرد امتعاضهم، ولكنها العقلية نفسها التي تختزل المشاكل بقلبها في إطار النقاشات، فيناقش واحدا قال له الغرب ضال فيقلب الأمر بل الشرق، الحل هو الدين فيقول لا بل هو المشكلة، وهكذا دواليك.
ما المقصود بالدين هنا؟ ما هو التعريف الذي اعتمده ليطلق قوله السابق؟ كما هو معلوم ليست كل الأديان متفقة على العديد من الأطروحات ودين كالبروتستنتية الذي اتحد مع الرأسمال وساعده ظرفه التاريخي لذلك ليس كالكاثوليكية التي ارتبط بالإقطاع واهتزت في الثورة الفرنسية.
ليست الأديان واحدة ولا التصورات داخلها كذلك، وبعض التعريفات تصل إلى التعامل مع الشيوعية على سبيل المثال على أنها دين كما فعل راسل، ولا تتساوى حتمًا مع ديانة التبت، والكونفوشية الصينية على سبيل المثال.
فضلًا عن تجاوز هؤلاء للمشكلات الرأسمالية التي أرقت العالم في القرن العشرين، لم يكن الاقتصاد الألماني منفصلًا عن حركة التقدم الأوروبية ومع إقصاء الدين عن السياسة بل لسخرية التاريخ كان البريطانيون فيهم من يريد جعل العقيدة القتالية ضد النازية من باب المسيحية ضد الإلحاد النيتشوي! ورغم القضاء على البطالة في ألمانيا وتصاعد حركة التصنيع، وسحق الشيوعية التي تخاصم الرأسمالية كانت النتيجة في ختامها تقسيم ألمانيا وتحطيمها وسرقتها.
ولكنها نهضت نعم ويتناسى المعترض الظرف وطبيعة الرأسمالية التي تمركزت في دول متقدمة تستغل الدول الفقيرة بحيث لا تكاد الدول الفقيرة تنتج صناعة أو تنافس في علم وأكبر العقول قد احتكرتها دول المركز كالولايات المتحدة الأمريكية، يتناسى الحرب الباردة التي جعلت ألمانيا الغربية محل استعراض التقدم الرأسمالي في مواجهة الشرقية وكانت تسمى بوابة الحرب الباردة، الأمر الذي لا تجد له مماثلًا في تشيلي التي عوملت كالعبيد بدعم الولايات المتحدة العسكريين لحكمها.
على ذلك التصور الساذج كان يمكن للصين أن تنهض بمجرد إزاحتها للدين وتنطلق لتراكم الثروات، وكأن الصين لم تتعرض لتعاقب الاستغلال الرأسمالي مرارًا، ولم تفرض معادلاتها إلا عندما ثارت داخليًا أصلًا، يتناسى القائل تاريخًا من الصراعات الصينية الداخلية والخارجية مع بريطانيا ومن بعد اليابان، وتدخلها في كوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة وأدى لانسحاب القوات الحليفة للولايات المتحدة بعد معرفة مقدرة الصين على مناطق نفوذها، ثم تقاربت الصين مع الولايات المتحدة بعد أزمتها مع السوفييت.
كل هذه الظروف التاريخية يجري مسحها، وبعد تفرد الولايات المتحدة بسقوط السوفييت لم تكن بحاجة إلى جعل الدول التي سيطرت عليها ألمانيا الغربية، ولا كورية الجنوبية، فكانت دول مثل العراق، وأفغانستان، وغيرها مسرحًا لصورة الرأسمال لا داخل بلدانه بل في ظلالها على دول فقيرة، ضعيفة.
حتى روسيا لم يكن ليتركها الرأسمال دون تدخل، وبثورة داخلية وحرب أهلية، وتكلفة بشرية مرعبة كان على ستالين أن يجعلها تقفز في ٥٠ سنة لتصل إلى ما فعلته أوروبة في ١٥٠ سنة، بلغة أخرى لم تتقدم تلك الدول وهي وديعة تقفز في حضن الرأسمال وتتكرم عليهم الدول الرأسمالية بالإفساح لهم بالمنافسة الرأسمالية دون تدخل عسكري وتهديد وحصار ومقاطعة.
وأزمة هواوي الأخيرة مجرد نموذج على قوانين التنافس الرأسمالية، ليست المسألة كما يصورها بعض المتحذلقين العرب بأن الأمر يكون بالارتماء في الإلحاد والتكلم عن الداروينية والغزل بإنجازات الرأسمالية، هذه الطفولية لم ترقَ حتى الآن لأضعف تحليل ماركسي.
أما قطاع الإسلاميين ففيه شريحة واسعة مرتبطة بالحركة الرأسمالية، بنوك، مصارف، قنوات فضائية، دور نشر، حتى مراكز التنمية البشرية الحليفة للشركات، فأين هي حكاية عدم وجود الرأسمالية في مفاهيمهم، هذا كلام غير صحيح، وحتى التحالف السياسي مع الرأسمالية الغربية فأفغانستان ضد السوفييت كانت نموذجًا لهذا.