الأمور واضحة ينقصنا التطبيق (٢)

من التأثيرات الأدبية التي حكمت ولا تزال تحكم كثير من عقليات الإسلاميين، ما حسبوه نظرية سياسية تم رفعها أحيانًا إلى مصاف العقيدة.

تجد بين هؤلاء من يقول لا علاقة بين الخلافات الشيعية السنية، الأشعرية السلفية، وبين الحاكمية التي سرقت أو اعتدي عليها، على أن الاصطلاحات الأدبية التي صقلها سيد قطب لم تكن لتصوغ نظرية لا على الصعيد الفلسفي ولا السياسي ولا العقدي، وبقيت المقالات السابقة تحتفظ بأهمية التعامل النظري معها.

لقد أحدثت اصطلاحاته الأدبية إرباكًا كبيرًا في التعامل الفقهي معها، ولم تكن لتشكل امتدادًا للتاريخ والتراث الإسلامي بقدر ما زجت فيه بعض الأنماط الأجنبية عنه، لقد أعطت امتعاضات الأديب من الواقع فحسب.

ما وضع كنظرية سياسية كانت خلاصته وجهة نظر أدبية كالتعبير عن الحالة العربية والإسلامية بأنها وصلت مرحلة جاهلية، وأن العصبة المؤمنة تصادم الجاهلية التي لم تحدد لها أي معالم واضحة لا من ناحية الوصف لحالتها كنظام معين، ولا من الناحية الفقية من باب الأسماء والأحكام.

يقال بأن من ضرورة الأدب أو الفن عمومًا حذف الكثير من العناصر التي لا تتناسب مع جماليته حتى قيل أعذب الشعر أكذبه، وهذا ما يعطيه قيمة وتأثير، فورقة علمية تتحدث عن مشكلات اقتصادية في بلد معين لا تحل مكان الأدب السوداوي، لكن في نفس الوقت فإنه لا يحل مكانها أيضًا.

إن ما صاغه سيد قطب يمكن أن يوضع في إطار الأدب العاطفي، بالتركيز على العمل، التأثير، عاطفية الصدام في سبيل قضية عادلة، والسقوط مجندلًا كفارس نبيل، لكن كل هذا لا يمكن أن يحل مكان علم الاجتماع، والسياسة، فعقلية السياسي لا تناسب عقلية الشاعر الذي يتغنى بإقدامه على الموت، فخيار الموت بالنسبة للسياسي هو مرادف للفشل، بخلافه بالنسبة للشاعر فهو واقعة تستدعي تجييش المشاعر والافتخار بها.

ورغم محاولات العقلنة التالية لسيد قطب، كمحاولات التأصيل له، أو التحرك وفق خطوطه العاطفية العامة، كانت تفتقر دومًا لعنصر العقل الذي كان يميز العقل الكلاسيكي (الأصولي، الكلامي، الفقهي).