لا ترجيح ولا استدلال ولا معرفة دليل، في المسائل الشرعية بدون أصول فقه.
والغالب اليوم على المتصدرين في المسائل الشرعية القصور والضعف الشديد فيها، وأغلب النقاشات الشرعية بين طلبة لم يحكموا هذا الباب، بل أغلبهم إما ناقل لفتوى، والعهدة فيها على المفتي، وإما خائض غمار الكلام في الشرعيات على غير بينة ولا بصيرة، ومن ناقشه حاججه بفرضية التقليد، وهو أول من يخرج عنه بكلام لا زمام له ولا خطام، ولا مطمح عند كثيرين من تلقي هذا العلم على يد من له باع فيه فالقصور عام فيه حتى في الكليات الشرعية، فينبغي أن يتوجهوا إلى الترقي فيه، والجمع بينه وبين دراسة الفقه والعربية والكلام لفهم كلام متأخري الأصوليين، ومعرفة الخلاف بينهم وجذوره ومآخذهم، وإلا فهم كحاطب ليل لا أكثر، فما أسهل أن تنقل فتوى، فينقل خصمك فتوى مخالفة، وما أسهل التعنت بقولك هذا دليل على كذا دون بيان وجه الاستدلال، ولا معرفة مراتب الأدلة.
ولما جرى افتراض انعدام المدرّس المتقن لمباحث أصول الفقه، كان ملحًّا على طالب العلم أن يدرسه من الكتب، وإلا فقصارى الأمر وكثيرًا ما يتعذر أن يأخذ بعض المفاتيح عن شيخ، حتى إذا وصل الطالب إلى كتاب من أمات الأصول، كان قد جاوز من يعرفهم ممن يجلس لتدريس المفاتيح في حلقات، حتى إذا نقل له استشكال لم يفهمه، فضلًا أن يشفي فيه غليلًا.
والطريقة هي التدرج في هذا الفن، ومقارنة الفهم من كتاب إلى كتاب، مع مطالعة المطولات المنتشرة في فتاوى العلماء، والفوائد المنتقاة في كتب الطبقات، فكثيرًا ما يكون فيها نكتة أصولية، أو مسألة فقهية مرتبطة بأصلها، وبالتدرج تنضج المعرفة أكثر، وترتبط ببعضها، وبدونها يضيع المرء وقته في نقاشات لا مطمح من ورائها، مع غير مؤهل في هذا، فمن أراد التدرج في هذا فعليه بالتالي:
الأصول من علم الأصول لمحمد صالح العثيمين، وهو مجرد مختصر، يشوّف الطالب إلى ما بعده، كعنوان يعرّفه بالمباحث، ودروس العثيمين في الشرح الممتع جيدة في ربط المسائل الفقهية بمآخذها الأصولية، لكنها كما سبق مجرد مفتاح، ويدرس: شرح الورقات للجويني لجلال الدين الحلي، الوجيز في أصول الفقه لعبد الكريم زيدان، أصول الفقه لمحمد أبو زهرة، أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف، ثم يترقى أكثر فيدرس أعلام الموقعين لابن القيم، المحصول لابن العربي، البلبل للطوفي، الرسالة للشافعي، وينبغي قراءته أكثر من مرة، ويدرس معها الأم للشافعي، لتضح الرسالة، الإحكام لابن حزم، أصول الشاشي، تهذيب الأجوبة لابن حامد، الموافقات للشاطبي، شرح المنهاج للأصفهاني، التقريب والإرشاد للباقلاني، المستصفى للغزالي، المسودة لأل تيمية، ومجلدات أصول الفقه من مجموع الفتاوى، روضة الناظر لابن قدامة وشرحها للنملة، البرهان للجويني، ولو ضم إلى هذا الكافية في الجدل له، والجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل، إذا قرأ هذا ولم يفصله عن دراسة الفقه، وكتب الفرق والمقالات، وبعض كتب الكلام، مع العربية، سيسهل عليه قراءة كتب الأصول التالية بدون عناء ويفهم قواعدهم وكلامهم، ويكون قد تدرج بدون ثغرات في الدراسة.