“أذكر من ظواهر امتهان الناس لأهل الدين أن الناس في مدينة الزقازيق في الثلاثينيات كانوا يستقبلون طلاب المعهد الديني في شوارع المدينة وهم بملابسهم الأزهرية بالصياح خلفهم، وبترديد كلمات سخيفة تدل على فقدان الوعي بالإسلام، وكثيرًا ما كانت هذه المظاهر تنتهي بضرب الطلبة إن هم اعتصموا بالوقار والصمت. وتكررت هذه الأحداث، فلما اعتصم أحد الطلبة بمقهى من المقاهي ليحمي نفسه من الضرب، ولكن صاحب المقهى ورواده أوسعوه ضربًا على ضرب، ففر هاربًا حتى عاد إلى المعهد الديني، وقصد شيخه المرحوم الشيخ محمود أبو العيون، وشكا له ما حدث، وكان الشيخ ثوريًا قديمًا، فأخذ الطالب وجمع طلاب المعهد، وكانوا ألفًا وخمسمائة طالب تتفاوت أعمارهم بين الثانية عشرة والخمس والعشرين، وعرض عليهم مأساة زميلهم، وخطب فيهم خطبة مثيرة، تهيب بهم أن ينتزعوا احترام الناس في الزقازيق لهم بالقوة. وأعلن الطلبة الحرب على مدينة الزقازيق، لبسوا الجلاليب، وفتحوا مخازن المعهد، وكسروا الأخشاب، وقطعوا فروع الأشجار، ولم يصبح الصباح إلا وألف وخمسمائة يخرجون إلى الشوارع وفي يد كل واحد منهم هراوة، يحطم بها كل ما يصادفه دون تمييز، الناس، والمحال التجارية، والصيدليات، والمقاهي، وكل ما في الشارع تناولته هراوات الطلبة، ولم يسلم رجال الشرطة من هجمات الطلبة، مما اضطر مدير الشرقية إلى الاستعانة بالشيخ محمود أبو العيون لإسكات الطلبة، وكان ذلك على شروط، منها أن يكون الشرطة في خدمة طلبة العلم الديني في أي لحظة”.
(من تقديم عبد القادر أحمد عطا، لكتاب: 100 سؤال وجواب في الفقه الإسلامي، محمد متولي الشعراوي، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، ص4.)