كان الحكم فترة المأمون “حكمًا علمانيًا إلى حدٍّ ما، حيث كان هناك فصل واضح بين السلطة الدينية والسلطة السياسية”
(الفاشية الإسلامية، حامد عبد الصمد، دار ميريت، القاهرة، ٢٠١٩م، ص٧٨.)
فصل واضح! الكاتب يخلط بين ما هو مرسوم في رأسه، بين ما يتأمله هو وبين الواقع نفسه، الواقع أن المأمون الذي تبنى الاعتقاد الاعتزالي كان أشد من غيره، نفس الاعتقاد المعتزلي يربط بين التكليف العقلي وبين الثواب والعقاب، بمعنى آخر إن الحجة الدينية قائمة بالعقل، فالذي لم يسمع عن الإسلام كلمة عندهم ومع ذلك فعل قبيحًا فهو مستحق للعقوبة بدون حاجة لأي حجة رسالية إضافية.
يتجاهل الكاتب تمامًا امتحان المأمون للناس في عقائدهم الدينية، لا السياسية، فكانوا يجبرون الناس على أن يقولوا ما يوافق عقيدة المعتزلة “الدينية”، وفي غمرة الإيغال بحكايته المبتكرة يقول:
“سجن ابن حنبل نفسه بسبب موقفه الصارم ورفضه لمذهب المعتزلة الرسمي، فيما سمي بالمحنة الكبرى” (ص٧٩).
فأحمد سجن بسبب موقفه، فيحوم حول تحميله مسؤولية سجنه، لا أن المأمون نفسه هو الذي أمر بشكل صارم بامتحان الناس أي اختبارهم في عقيدتهم، ومن لم يقل بما قالت المعتزلة سوف ينكل به، واستمر الأمر بعده كوصية ولذا فأحمد لم يجلد فترة المأمون بل المعتصم الذي جلد أحمد وتوعده بشكل صارم.
ولم يكن أحمد هو الوحيد الذي سجن، بل سجن غيره وامتحن الناس، وكانت فتاوى ضرب الأعناق جاهزة لما تخالف مذهب المعتزلة، وهذا بنظره “علماني” فهو يرينا أي نموذج في ذهن الكاتب للحكم النموذجي.