الإيماءات المتشابهة لتأثير متشابه
ضرب أبو حامد الغزالي مرة أحد الأمثلة على الطريقة التي يقع الإنسان بها في مغالطة منطقية، أن المرء إن كان يسير ليلًا ولمح بجانبه شيئًا طويلًا ممتدًا فإنه سيفزع، ويتبادر إلى ذهنه أنه حية تسعى.
ويشرح هنا المغالطة التي وقع فيها الإنسان، إنه لما كانت كل أفعى هي طويلة ممتدة، انقلب الأمر هنا ليحسب أن كل ممتد طويل هو أفعى، ليس المهم هنا نوع المغالطة، بل تأثير الإيماءات المتشابهة في التأثير.
من الصور التي هزت المشاهدين يومًا ما صورة جثة تشي جيفارا ممدًا بعد قتله، تلك الصورة أحدثت الكثير من التعاطف مع الثائر الأرجنتيني، وقد حلل البعض تأثير هذه الصورة في المخيلة الغربية، وخلص إلى مشابهتها لصورة المسيح في المخيلة النصرانية.
إنه ملتحٍ نصف عارٍ، حوله الجنود الذين قتلوه كانت الصورة تنقل الأذهان دومًا إلى رواية الأناجيل القانونية عند الكنيسة التي تحدثت عن صلب المسيح وحوله الجنود، وما ارتبط عميقًا بالمشاعر نحو تلك القصة؛ إنه بعث لخلاص العالم، ومات تكفيرًا عن سيئات البشرية، وبهذا كان جيفارا بموته يتحول إلى أيقونة نصرانية في اللاوعي، رغم أنن لم يكن مصلحًا دينيًا.
لا يلزم أن تكون الخطابات الإعلامية واعية بما تحدثها إيماءاتها، أو أن تكون عن قصد حتى يحدث تأثيرها، لكن التشابه يحدث تشابهًا في الأثر، وذلك لأن المفاهيم التجريدية ليست منفصلة عما يرتبط بها من لذة، وألم ومسألة الارتباط الشرطي عند بافلوف تشير إلى هذا بوضوح.
من ذلك ما يحدثه مصطلح (تنظيم الدولة الإسلامية) بعد اختصاره للأحرف الأولى وهو ما درجت عليه وسائل الإعلام الغربية (ISIS) فهذا الاختصار يحدث رنينيًا مشابهًا لوحدات (SS) النازية التي ترتبط بالمخيلة الغربية بالإبادات الجماعية، وهو ما يكفل نفرة نفسية، وعداء في اللاوعي، بشكل مسبق.
ليس سرًا أن كثيرًا من الشركات تستحدث شعارات لها علاقة بوجدان من تخاطبهم، كالاقتباسات الرمزية لبعض رموز سفر الرؤيا من الإنجيل، أو استعانة الأدب والأفلام ببعض الإيماءات الرمزية التي لها أصول دينية مثل رقم (٦٦٦) والذي اعتمد عليه دان براون في ذكر ألواح متحف اللوفر-وهو غير صحيح-إنما قاله للدلالة الإيمائية على القارئ.
كذلك فإن الدول تطلق أسماء شخصيات محددة على شوارع بالمدينة، وقد تغيرها متى صارت الدلالى الإيمائية تخالف توجهات الدولة، والموضوع يحتاج إلى بسط أكبر، إنما هي مجرد إضاءة في بيان هذا التأثير.
*الصورة لتشي جيفارا بعد قتله.