نقد كلام حسان الصومالي في مسألة العذر بالجهل(3)
وفي غمرة تشنيعه حاول أن يبشّع قول مخالفه فزعم أنه يقول بأن: “الشرك تابع لإدراك الناس وشعورهم” فيقال له: باتفاق الناس إن العقل مناط التكليف، فمن تلفظ بالكفر وهو مجنون لم يلحقه كفر بهذا، فأي شناعة تجريها على القول بالعذر بالجهل اجعلها في هذا، وإلا فلا يجيب عن هذه بشيء، إلا كان جوابًا عليه في الأخرى. وقال: “الجهمية خير من الدكتور في هذا لأن جهمًا لعنه الله يقول في قول القائل: “إن الله ثالث ثلاثة” ليس بكفر لكنه لا يظهر إلا من كافر، لأن الله أكفر من قال ذلك، وأجمع المسلمون أنه لا يقوله إلا كافرًا” فيقال: نسب هذا إلى أبي الحسين الصالحي (انظر: مقالات الإسلاميين، ج1، ص214.) ونسب مرة إلى جهم بن صفوان. قال: “وجه الخيرية يتضح بأن هذا القول ثالث ثلاثة ليس كفرًا حقيقة عند الجهمية والدكتور في الجاهل”. فيقال: إنه لا يفهم المذاهب، وبعدها يحاول إلزام غيره، فالصالحي قال هذا ليس لأن الجاهل عنده لا يكفر! بل لأن النطق باللسان لا يدخل عنده في الإيمان، فهو من غلاة المرجئة. ثم إن الصالحي لا يعذر الجاهل، بل مذهبه بالمقلوب، إذ عنده: “لا كفر بالله إلا الجهل به” (مقالات الإسلاميين، ج1، ص214.) فهو يفهم المذاهب بالمقلوب، فأنى له إلزام غيره؟ وبمقدمته المتهافتة يتهافت ما فرّع عليها. ومن التخليط الذي وقع به هذا الرجل قوله: “الذبح لغير الله شرك، والذابح مشرك لوجود حقيقة الشرك التي يشتق منها اسم الفاعل”! فمتى كان جواز اشتقاق الاسم لغة، عيارًا للأسماء والأحكام الشرعية؟ فعلى هذا فإن الله يقول: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، فها هو قال إنهم يؤمنون، فهنا اجتمع إيمان بالله مع وصفهم بالمشركين، ويشتق من الإيمان اسم الفاعل، فهم مؤمنون، فكيف اجتمع هذا مع قوله مشركون؟ فهم (مؤمنون/مشركون) على هذا التحصيل الفذ، أليس يشتق منه اسم الفاعل؟ ويقال له المعصية جرم، ويشتق منها اسم فاعل، فالعاصون مجرمون، وبعدها لو دفع بكلامه إلى آخر نتائجه سيجد مثلًا في كتاب الله: (إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون) لأنه جاز أن يوصف كل من وقع في جرم واحد بالمجرم! فيحكم بالخلود على مرتكب معصية واحدة. ثم خلط في الفقه تمامًا، فأبطل الفرق بين الكافر الأصلي، وبين المسلم الذي وقع في فعل أو قول كفري، ولم يتحقق تكفيره، فقال: “لا فرق بين المشرك الأصلي، وبين المنتسب في الحكم”. وعلى هذا يتساويان عنده، فلا فرق بين مرتد وكافر أصلي وهذا خلاف إجماع الفقهاء. واستدل بقوله: “لا يوجد حقيقة مشرك أصلي، لأن أصل البشرية التوحيد والشرك طارئ فيهم، فهم مرتدون عن التوحيد لا أصليون في الكفر” فيقال: هذا الرجل يجهل أبجديات الفقه، فالكافر الأصلي لا يعنون أن فطرته في الإساس كانت كفرًا، حتى يقول هذا الكلام، إنما يعنون أن حكمنا عليه ابتداء بأنه ليس مسلمًا، حتى يثبت العكس، بخلاف المسلم، فالحكم له بالإسلام حتى يثبت العكس، وهي قاعدة الاستصحاب، فيبقى الأصل حتى يثبت خلافه. فمن قال كلمة التوحيد، قد تحقق الإسلام فيه، ولا يقال بأن كل البشر فيهم هذا، إلا من سوى بين المسلمين وغيرهم.